«تحرير» محطات الغاز من «المناقصات»... مجدداً
مرة جديدة يتم تخطي إدارة المناقصات. هذه المرة كان دور مناقصة إنشاء محطات استقبال الغاز السائل. مناقصة بملايين الدولارات، وتشكل خياراً استراتيجياً للبنان لعشر سنوات مقبلة، لم يظهر مجلس الوزراء حرصاً على شفافيتها، فوافق على إجرائها في وزارة الطاقة لمصلحة منشآت النفط
في مقررات مجلس الوزراء بندٌ يتعلق بالموافقة على عرض وزارة الطاقة والمياه لدفتر شروط محطات استقبال الغاز السائل (LNG) وتحويله إلى غاز طبيعي في البداوي وسلعاتا والزهراني «بعد الأخذ بملاحظات عدد من الوزراء».
الملاحظات لا تعدو عن كونها تعديلات تطاول بعض بنود دفتر الشروط، أما الملاحظة الأهم، فقد مرت مرور الكرام. لماذا مرة جديدة تمر مناقصة مفصلية وبملايين الدولارات خارج إدارة المناقصات؟ لم يستدع الأمر نقاشاً جدياً في مجلس الوزراء. سلّم الجميع بأن وزارة الطاقة هي التي ستجري المناقصة. أما الحجة التي «أقنع» وزير الطاقة فيها زملاءَه، فهي أن المناقصة ستجرى لمصلحة «منشآت النفط في لبنان»، التي تعتبر مؤسسة تجارية، وليس لمصلحة الوزارة التي يفترض أن تجرى مناقصاتها عبر إدارة المناقصات. لكن إذا كانت المنشآت مؤسسة تجارية فعلاً، فلماذا إذاً تجري وزارة الطاقة المناقصة، ويساهم مستشارو الوزير بإعداد دفتر الشروط؟
في التعريف الموجود على موقع المنشآت على الإنترنت إشارة إلى أنها «جهاز حكومي يعمل وفق الأصول التجارية المرنة، ويتبع لوزارة الطاقة والمياه».
ماذا يعني ذلك؟ هي جهاز حكومي تابع لوزارة الطاقة، وبالتالي، لا استقلالية إدارية لها، إنما عملها يخضع للأصول التجارية المرنة. يوضح خبير في القانون الإداري لـ «الأخبار» أن طبيعة الجهاز تسمح بتطبيق قانون التجارة على شروط العقد معه، لكن ذلك لا يعني أبداً عدم إخضاع الصفقات التي يعقدها إلى قانون المحاسبة العمومية، الذي يفترض أن تجري مناقصات كهذه في إدارة المناقصات. هذا كان رأي وزيري الصحة غسان حاصباني والتربية مروان حمادة في الجلسة، لكن النتيجة كانت إمرار القرار بسلاسة، مع تسجيل اعتراض وزراء القوات اللبنانية الثلاثة وحمادة.
خبير إداري: منشآت النفط تابعة لوزارة الطاقة وهي تخضع لقانون المحاسبة العمومية
لا يكتفي الخبير بالإشارة إلى وجوب أن تجرى المناقصة في إدارة المناقصات، بل يعتبر أنه قبل ذلك لا بد أن يتصدى مجلس النواب للمسألة، عملاً بالمادة 89 من الدستور، لأن المحطات التي ستنشأ هي ذات منفعة عامة (لا يجوز منح أي التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أي احتكار إلا بموجب قانون وإلى زمن محدود)، وبالتالي وجب إصدار قانون في شأنها، خصوصاً أن مسألة مدة العقد المحددة بعشر سنوات، هي الأخرى مصدر اعتراض، لأنها تحصر المنافسة بعدد محدود من الشركات. علماً أن الوزارة كانت قد كلفت الاستشاري Poten & Partners بإعداد دفتر إعلان نوايا أعلن عنه في كانون الأول 2017. وبالفعل أبدت مجموعة من الشركات رغبتها بالمشاركة في مناقصة إنشاء المحطات، إضافة إلى إنشاء خطوط الغاز اللازمة لإمداد معامل إنتاج الطاقة بالغاز الطبيعي. وقد تأهلت 13 شركة من هذه الشركات، بحسب وزارة الطاقة.
الأكيد أن المشروع يعتبر ملحاً وضرورياً للبنان، فهو الوحيد القادر عملياً على تخفيض كلفة إنتاج الكهرباء في شكل كبير، في ظل ارتفاع العجز الناجم عن استهلاك المحروقات (الفيول)، الذي يشكّل عبئاً مالياً كبيراً على الاقتصاد، (نحو 15 في المئة من الناتج المحلي) وعلى الخزينة العامة (نحو مليار ونصف المليار دولار سنوياً). كما أن لبنان سبق أن اختبر، عندما كان يستورد الغاز الطبيعي من مصر، فوائد استبدال الديزل والفيول بالغاز الطبيعي، لكن ذلك كله لا يعني تخطي الأطر الشفافة لإجراء المناقصات.
ايلي فرزلي/ جريدة الاخبار