عقد المفتي الشيخ الدكتور محمد رشيد راغب قباني، مؤتمرا صحافيا في منزله بتلة الخياط تناول فيه الأوضاع اللبنانية الراهنة.
وقال في بيان تلاه: “أيها اللبنانيون جميعا: من خلال أمواج وطنكم العاتية بالخلافات، المحملة بالنكبات وأكل الربا وألوان القهر والفساد أخاطبكم وأقول لكم: إن ثورتكم على واقع وطنكم لبنان في السابع عشر من تشرين الأول هي ثورة كل مواطن أيا كان انتماؤه، هي ثورة المتحزب وغير المتحزب، هي ثورة أبناء الشمال والبقاع والجبل وبيروت والجنوب، هي ليست ثورة فكر سياسي وانقلاب مشروع على مشروع وليست لحظة انقضاض على السلطة قد خططت له فئة من اللبنانيين لتغير شكل الحكم في لبنان وتستلم زمام الأمور في البلاد، بل هي ثورة على الفساد واختطاف العدل من البلاد، هي ثورة الجميع من أجل الجميع”.
أضاف: “من المستحيل ألا تكون هذه الثورة قد لامست في الحد الأدنى مشاعر كل مواطن لبناني مقيم ومغترب، فالمقيم يتخبط بمرارة الواقع الاقتصادي والمعيشي وانعدام الخدمات والتقديمات من الدولة، في ظل سوء إدارة البلاد، والمغترب قد هاجر من بلاده وتركها بسبب هذا كله”.
وتابع: “إن الثورة اللبنانية ليست ثورة فقير على غني، بل هي ثورة الأبناء الذين يرفضون اليوم الواقع الذي استسلم له الآباء منذ عقود حتى وصل لبنان إلى ما وصل إليه اليوم، وثورة اللبنانيين اليوم هي في حقيقتها أسمى أنواع العمل الوطني وأجمل لوحات الشعوب في التغيير، وكل من يحاول أن يركب هذه الثورة من الطامعين فيها ستلفظه الثورة في يوم أو يومين لأن الثورة بطبيعتها تلفظ الشوائب خارجا مع تقدمها. وكل من يحاول استغلال الثورة والناس المناضلين فيها في شوارع لبنان من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه لن يستطيع اقتيادهم إلى حيث يشاء لأن هذه الثورة أمواجها عصية وعالية، قد يتمكن أحدهم من السباحة فيها، لكن لن يتمكن من توجيهها أو حرفها عن غايتها”.
وأردف: على السلطة الحالية بكل مكوناتها أن تحسن الاستماع إلى هذه الثورة وفهمها بشكل صحيح، وأن تقوم بما يلزم لتحقيق كل ما يتطلع إليه اللبنانيون ممن هم في الشارع وأولئك الذين في منازلهم وحتى المنتسبين منهم إلى أحزاب السلطة، فإن الواقع المرير لا يميز بين المواطن الثائر في الشارع والمواطن الثائر في بيته والمواطن المنتسب للسلطة، بل يضرب الجميع ويمزق حياة اللبنانيين ألما ووجعا وفقرا”.
وشدد على أن “الثورة لا تستهدف أحدا لشخصه من السياسيين والأحزاب، بل هي انتفاضة على الظلم والقهر الذي يلحق بالمواطن اللبناني لتحقيق طموحات التغيير لنظام سياسي نزيه وعادل يوفر الحقوق الكاملة والحرية والنهضة للمجتمع اللبناني بكل أطيافه. وعليه، فإن على عاتق السلطة الحالية والحكومة العتيدة تقع مسؤولية تحقيق ما يتطلع إليه اللبنانيون في ثورتهم”.
وقال: “أيها اللبنانيون، لقد باتت حقيقة معلومة ومؤكدة للجميع أن ما بعد السابع عشر من تشرين ليس كما قبله، وأن المواطن اللبناني لن يسكت بعد اليوم على أي شكل من أشكال الخطأ في عملية إدارة البلاد، وسيكون لكل صغيرة وكبيرة بالمرصاد، وهذا ما يثبت آمال اللبنانيين بتغيير قادم لواقعهم. كما يشكل معيارا يفيد بأن المزاج العام في البلاد قد طرأ عليه تغيير كبير، وأن الإنتخابات النيابية المقبلة إن جاءت في موعدها أو مبكرة فعلى الأرجح أنها ستقضم من حجم معظم الأحزاب المحتكرة للتمثيل في السلطة، وستنتج هذه الانتخابات شريحة جديدة في الحكم تطرح معايير جديدة لإدارة الدولة وتشكل منافسا شديدا للقوى الحالية التي ستضطر للانصياع إلى النهج الجديد للحكم بما سينهي النهج القديم في تسيير أمور البلاد لمصلحة السلطة وعلى حساب المواطن”.
أضاف: “أما اليوم والثورة قائمة، وحالة البلاد الراهنة في تدهور مستمر، فهناك ضرورة قصوى للكف عن التأجيل والإسراع إلى تسمية شخصية سياسية لتشكيل الحكومة، تكون قادرة على إدارة البلاد في هذه المرحلة المتدهورة، فالفراغ أخطر ما يمكن أن نعاني منه والفراغ لا يصنع نتائج، وقد رأينا آثاره السيئة في السياسة والاقتصاد في الأيام السالفة”.
وتابع: “إن وطننا لبنان لا يخلو من الشخصيات الملائمة المناسبة لتبوء مختلف المراكز الرسمية والوطنية في مختلف الطوائف، إلا أن المراحل الحساسة والظروف الدقيقة التي يمر بها وطننا لبنان وفي ظل تبوء الأكثر تمثيلا لطوائفهم للرئاسات الحالية في لبنان تفرض تسمية شخصية قوية لتشكيل الحكومة العتيدة حكومة قادرة على الإمساك بالواقع الاقتصادي، وكبح جماح التدهور المالي الذي يتخبط به لبنان. كما ينبغي أن تكون هذه الحكومة عازمة وقادرة على تقديم كل الحقوق والفرص المعيشية والحياتية إلى اللبنانيين وتخفيف الأعباء الضريبية عنهم استجابة لمطالب ثورتهم، وضرورة إنتاج قانون انتخابات جديد سليم بعيدا عن المصالح الفئوية، مع نافذة لموعد الانتخابات المقبلة، والعمل على فصل السلطة القضائية نهائيا عن السلطة السياسية وإعطائها استقلاليتها، انصافا للمواطن وحقوقه في بلده، وتمهيدا لأي محاسبة بين الشعب والسلطة”.
وأردف: “إن الإسراع في تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد سوف يشكل مخرجا إيجابيا للدولة وللثورة وللقوى السياسية من حالة الجمود الانتاجي والتدهور الاقتصادي، خصوصا إذا كان أداء الحكومة العتيدة تحت المراقبة المباشرة للشارع ولمجلس النواب، وسيبقى ضغط الثورة الضامن الأكيد الذي يكفل حسن قيام الحكومة العتيدة بواجباتها تحت مراقبة الشارع لأدائها، فإن أصابت تمكنت من إنقاذ لبنان وأرضت الشارع، وإن أخطأت فالشارع سيصوب على الخطأ من أجل التصحيح، وندعو جميع القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب إلى العمل أيضا على مراقبة عمل هذه الحكومة وأدائها ليكون بمستوى طموحات الشعب اللبناني وثورته في هذه المرحلة الحرجة، حتى نستطيع جميعا إنقاذ لبنان بتعاون الشعب اللبناني والقوى السياسية والمرجعيات الوطنية معا”.
وقال: “أما ما حدث في لبنان بالأمس من إساءة واعتداء كلامي على السيدة فاطمة الزهراء وآل بيت رسول الله، وما تبعه من ردات فعل في بيروت وغيرها فهو أمر يستوجب التوقف عنده:
– أولا: إن الإساءة إلى السيدة فاطمة الزهراء الطاهرة رضي الله تعالى عنها، ابنة سيدنا ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي خير نساء العالمين، لا ينتقص منها ولا من مقامها فعل جاهل أو فاسق أو فاجر أو عابث أو متصيد فتنة، وهي أشرف وأنقى من أي حقد أو سباب، وهو أمر محرم وممنوع في الإسلام يعاقب فاعله. كما أن القانون في لبنان يجرم فاعله ويعاقبه أيضا، والمسلمون في لبنان لن يسكتوا عن هذه الإساءة، ولن يدعوها تمر من دون عقاب فاعله.
– ثانيا: إن من يتجرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته رضي الله تعالى عنهم يدفع ثمن فعلته هو وحده لا عائلته ولا منطقته ولا طائفته، وإن اتخاذ عمل وضيع كالتسجيل المسيىء الذي انتشر، ذريعة للانقضاض على مدينة بيروت أو تحميل هذا الفعل للمسلمين السنة فهو افتراء كبير لا ينطلي على أحد، وإن الشيعة كما السنة كما غير المسلمين من اللبنانيين يعلمون يقينا مقام الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته عند السنة، وأن الإساءة إلى آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصيب جميع المسلمين في قلوبهم على حد سواء، وتصوير الإساءة إليهم على أنها تطال فئة من المسلمين من دون غيرهم هو محض مزايدات وغير صحيح.
– ثالثا: لطالما خرج بين الحين والآخر من العابثين من يتطاولون على زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ويسيئون إليهم، ولكننا كنا من الوعي لذلك الأمر، حيث قامت قيادات أهل السنة بمنع تصوير تلك الأفعال على أنها صادرة عن عموم إخواننا أبناء الطائفة الشيعية، لعلمنا بأن هكذا فعل دنيء لا يمثل إلا صاحبه ولا يحاسب عليه إلا فاعله، وقمنا دائما بلجم ردات الفعل التي لا تؤدي إلا إلى الفتنة، وأخذنا بما صدر ويصدر عن معظم المراجع والعلماء المعتبرين عند الطائفة الشيعية في لبنان والعالم بحرمة التعرض لزوجات الرسول وصحابته الكرام، وبالتالي فلا بد من التعاطي بنفس الآلية في كل الحالات والكيل بمكيال واحد.
– رابعا: إن الفتنة السنية الشيعية هي سيف مصلت على رقاب عموم المسلمين في لبنان والمنطقة العربية، تهدف إلى تدمير المجتمعات الإسلامية من خلال اقتتالها في ما بينها خدمة لأعدائنا، وخصوصا الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين العربية والمحتل لمزارع شبعا اللبنانية والجولان السوري. وعلى هذا، فإن الوعي لخطر الفتنة السنية الشيعية ضرورة قصوى عند جميع المسلمين وعلى كل مستوى، وإننا نحذر السياسيين خاصة من خطورة استخدام الشارع على خلفية مذهبية أو طائفية لخلط الأوراق الداخلية، الأمر الذي يهدد السلم الأهلي وميثاق العيش المشترك ويؤدي إلى إراقة الدماء وإزهاق الأرواح البريئة، وإن من يعمل على إيقاد الفتنة السنية الشيعية وتأجيجها هو كمن يعمل على مصالح الصهاينة وخدمتهم علم أم لم يعلم”.
وختم: “نسأل الله تعالى أن يلهم اللبنانيين رشدهم ومصلحة وطنهم لبنان وشعبه الطيب، وأن يجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يلطف بنا في ما جرت به المقادير، إن ربي لطيف لما يشاء”.
المفتي قباني: الوعي لخطر الفتنة السنية الشيعية ضرورة ونحذر السياسيين من خطورة استخدام الشارع لخلط الأوراق الداخلية
2019/12/18 - 07:02:15pm
المصدر: الملحق