لا حكومة حتى نهاية العهد.. والفدرلة بدأت تُطبّق على القطعة!
يمكن القول بعد التطورات التي شهدها لبنان في الآونة الاخيرة منذ 17 تشرين العام الماضي ولغاية اليوم إن الطوق بدأ يشتد على صلب الدولة ونظامها والدستور الذي يحكمها. في السابق مرّ لبنان بأزمات عدة من اغتيالات وحروب وضائقة اقتصادية وغيرها الا ان "ارانب" الحل كانت دائما جاهزة عند وصول الاطراف المتخاصمة الى حائط مسدود في تسجيل انتصار نهائي على بعضها البعض وانه لا مناص لها الا في الحفاظ على التوزان الداخلي وفق قاعدة "لا غالب ولا مغلوب".
اليوم يبدو الوضع مختلفا. فبالرغم من انقلاب الشارع على الطبقة السياسية وتفاقم الازمة الاقتصادية ومحاولة اسقاط العاصمة بيروت بتفجير شريانها الحيوي "المرفأ"، مع ما رافق ذلك من استنفار دولي وتدخل خارجي للملمة ما امكن من شظاياه على كل المستويات، لاسيما على المستوى السياسي، الا ان الاداء السياسي الحاصل انطلاقا من نحر المبادرة الفرنسية وصولا الى تعطيل تشكيل الحكومة الاخيرة، يوحي بأن لبنان دخل نفق حرب جديدة، حرب من "صلصال " حيث تتمسك القوى السياسية بمواقفها الرافضة لاي حلحلة الا بشروطها فيما الحرب قائمة وباللحم الحي للحصول على كسرة خبز. ولكن يبقى السؤال الاهم الى أين؟
بالطبع الكل يذكر كيف حصلت التسوية الرئاسية عام 2016، والكل يذكر مكونات التسوية التي سميت في حينها بـ " السلة المتكاملة"، كما الكل يذكرايضا المرحلة التي ولدت فيها التسوية والتي كانت بالتزامن مع الايام الاخيرة من عهد الرئيس الاميركي اوباما، وايضا وايضا الكل يذكر التقاطع الايراني- السعودي الذي حصل بدفع اميركي حينها مهد نحو اخراج متوازن للتسوية يحفظ "الستاتيكو" القائم في تلك الفترة . الا ان اليوم المشهد تبدل. فالسعودية أخرجت نفسها من لبنان غير آسفة بعد محاولات عدة لمساعدة بعض الاطراف على عدم السماح بخلخلة موازين القوى في الداخل والحض على منع تدخل اي طرف من الاطراف في لبنان بشؤون الخارج، كما ان اميركا اليوم على ابواب عهد ذات نفس ديمقراطي معروفة سياساته في المنطقة والتعويل عليه سلبا ام ايجابا هو ضرب من الجنون. اما ايران فهي في مرحلة استنفار او تحضير لـ "للدغ " بعد سلسلة الاغتيالات التي تعرض لها اهم رجالاتها.
من هنا يمكن القول ان عودة سعد الحريري اليوم الى رئاسة الحكومة هو ليس الا عملية انتحارية لاعادة شيء من التوازن للستاتيكو الذي تجسد في التسوية الرئاسية، بعدما استقال بضغط من الشارع ظنا منه انه باستقالته يمكن ان يعبر مع الشارع جنبا الى جنب نحو مطالبه الا ان النتائج جاءت عكسية. وما كان تشكيل حكومة حسان دياب وتكليف الدكتور مصطفى اديب لرئاسة الحكومة الا بطاقة عبور لا بد منها لعودة سعد الحريري لاعادة احياء صيغة التسوية.الا ان العقبة اليوم تكمن في الاصرار على حكومة بمذاق برتقالي صرف. لذا يبدو ان الحريري غير مستعجل وليس في وارد تشكيل حكومة مرفوضة خارجيا كما انه ايضا لن يعتذر، وهذا الحال قد يمتد الى نهاية العهد. الا ان ذلك لن يمر مرور الكرام وقد أدخلت مؤخرا المؤسسات العسكرية والامنية بمجلسها الاعلى في مخطط انتزاع صلاحية رئيس الحكومة والحكومة مجتمعا عبر سلسلة القرارات التي اتخذتها والتي لا تدخل في صلب مهامها، الامر الذي ينذر بخطوات اخرى قد يلجأ لها الماسكون بزمام الحكم قد تصل حد الانقلاب او قلب الطاولة على دستور الطائف وتمزيق كل بنود الشراكة والتوازن التي نص عليها. على ما يؤدي ذلك من حالة فوضى عارمة ربما قد لا تخلو، لا سمح الله، من وقوع الدماء والكل يعلم ان اي تغيير دستوري في اي دولة لا يتم الا بعد فوضى، والفوضى يبدو ان معالمها تجلت ايضا في جانب آخر مع تطبيق غير مباشر لـ "اللامركزية" الاجتماعية والامنية والمالية من قبل بعض الاحزاب في مناطقها من خلال توفير منظومة خاصة لها بمعزل عن منظومة الدولة. ويبدو ان لا معارضة واضحة لهذا الاداء لا بل ترحيب ضمني بها من قبل بعض القوى لانسجامها مع مطالبها الداعية الى الذهاب نحو الفدرلة تحت شعار:" طالما نحن بخير.. الله يسعدهم ويبعدهم".
المصدر: لبنان 24