وصية كبير اللصوص في العهد العباسي
من قلب العهد العباسي، الذي اتسم بالتوسع الحضاري والسياسي والفكري، خرجت شخصيات متعددة تنوعت بين العلماء، الساسة، الشعراء، وحتى اللصوص، من بين هؤلاء برز اسم أدهم بن عسقلة، الذي رغم ممارسته السرقة، نُسبت إليه وصية شهيرة حملت مضامين أخلاقية وإنسانية تُثير الدهشة وتفتح الباب للتأمل في عالم الجريمة والشرف، فماذا جاء في وصية هذا اللص؟ ولماذا خُلِّدت في الذاكرة الشعبية؟
- من هو أدهم بن عسقلة؟
أدهم بن عسقلة شخصية يقال إنها عاشت في العهد العباسي، وكان يتزعم مجموعة من اللصوص المعروفين بخفة الحركة والدهاء، وقد اشتهر بقدرته على تنظيم عملياته بذكاء بالغ دون اللجوء إلى العنف المفرط، ورغم كونه خارجًا عن القانون، فقد نُسبت إليه تصرفات وأقوال حملت بعدا أخلاقيا غير معتاد بين أوساط اللصوص.
- وصية أدهم بن عسقلة:
عند اقتراب أجله، جمع أتباعه من اللصوص وترك لهم هذه الوصية، التي حُفرت في الذاكرة الشعبية وخلّدت اسمه:
"لا تسرقوا امرأة، ولا فقيرا، ولا جارا. وإذا دخلتم بيتا، فاسرقوا نصفه واتركوا النصف الآخر لأهله ليعيشوا منه، ولا تكونوا أنذالا، ولا ظلمة، ولا قتلة."
- تحليل مضمون الوصية:
1. رفض التعدي على الفئات الضعيفة
إحدى أبرز سمات هذه الوصية هي تحديد "خط أحمر" أخلاقي يمنع التعرض للنساء والفقراء والجيران. وفي هذا إشارة واضحة إلى بقايا ضمير حي لدى هذا اللص، وحرص على عدم هدم العلاقات المجتمعية بالكامل.
2. تقسيم الغنيمة: الإنصاف من داخل الجريمة
ربما تكون أغرب ما ورد في الوصية هو طلبه ألا يُنهب البيت بالكامل، بل يُترك نصفه لأصحابه! وهو ما يعكس نوعا من "العدالة المشروطة" في قلب الفعل الإجرامي، تُظهر إدراكه لخطورة الفقر والخراب الكامل على العائلات.
3. رفض الظلم والقتل
أوصى أتباعه بألا يكونوا ظلمة أو قتلة، مما يؤكد أن سلوك أدهم لم يكن مبنيًا على العنف الدموي، بل على التحايل والتسلل والخفة. في زمن كان العنف فيه شائعًا، جاءت وصيته بمثابة نداء مختلف.
- أدهم بن عسقلة: بين الواقع والأسطورة
رغم شهرة هذه الوصية وتناقلها في المنصات الشعبية وعلى مواقع إلكترونية عديدة، مثل janobiyat.com وشبوة برس، فإنه لا توجد مصادر تاريخية موثوقة تؤكد وجوده كشخصية حقيقية موثقة في كتب التاريخ الرسمي، ومع ذلك، فإن القصة تُروى ضمن تراث القصص الشعبي الذي يحمل طابعا تربويا رمزيا.
- مغزى القصة في السياق المعاصر
سواء كان أدهم بن عسقلة شخصية حقيقية أم لا، فإن وصيته تسلط الضوء على مسألة الأخلاق داخل الفوضى، وكيف يمكن حتى لأكثر الشخصيات خروجًا عن القانون أن تحتفظ ببعض المبادئ التي تنبع من فهم إنساني للعدل.
وصية أدهم بن عسقلة ليست مجرد سطور قيلت على فراش الموت، بل مرآة تعكس تعقيدات النفس البشرية في مواجهة السلطة، الأخلاق، والنجاة. وبينما تصنفه الكتب كلص، فإن وصيته جعلته "شريفا" في نظر البعض، مما يمنح قصته طابعا دراميا وإنسانيا يستحق التأمل والنقل.
