من هو بابا الفاتيكان الجديد؟ أول أمريكي يُحدث تحوّلا في تاريخ الفاتيكان
تم انتخاب الكاردينال روبرت بريفوست، المولود في شيكاغو، بابا جديدا للفاتيكان في 8 مايو 2025، ليصبح أول أمريكي يعتلي كرسي بطرس في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الممتد لأكثر من ألفي عام، وقد حمل اسم ليو الرابع عشر، خلفا للبابا الراحل فرنسيس، يُعد هذا الحدث نقطة تحوّل في التاريخ الكاثوليكي الحديث، إذ إن الكنيسة الكاثوليكية لم تشهد سابقًا بابا من الولايات المتحدة، البلد الذي طالما اعتُبر بعيدا عن دوائر الفاتيكان التقليدية.
- خلفية شخصية: النشأة والبدايات
وُلد بريفوست في 14 سبتمبر 1955 في مدينة شيكاغو لأبوين كاثوليكيين: الأب لويس ماريوس بريفوست، الذي خدم كضابط بحري في الحرب العالمية الثانية، والأم ميلدريد مارتينيز، التي كانت أمينة مكتبة ومغنية في جوقة الكنيسة. نشأ في بيئة دينية محافظة، وكان يخدم كشماس صغير في كنيسة القديسة مريم للصعود.
أتقن بريفوست عدة لغات: الإنجليزية، الإسبانية، الفرنسية (من والده)، والإيطالية (من والدته)، مما ساعده في مسيرته الكنسية العالمية. حصل على شهادة في الرياضيات من جامعة فيلانوفا، قبل أن ينضم إلى رهبنة القديس أوغسطين عام 1977.
- المسيرة الكنسية: من شيكاغو إلى بيرو والفاتيكان
بعد رسامته كاهنا، خدم بريفوست في مهام رعوية في شيكاغو ثم سافر في بعثات إلى بيرو، حيث أمضى عشر سنوات يدير مدرسة إكليريكية في مدينة تروخيو، قبل أن يُنتخب رئيسًا لمقاطعة الرهبنة الأوغسطينية في شيكاغو مرتين.
لفتت مسيرته المتميزة أنظار البابا فرنسيس، الذي عيّنه عام 2014 مشرفا على أبرشية شيكلايو، أفقر مناطق بيرو، ثم أسقفًا عليها عام 2015، في عام 2023، اختاره البابا فرنسيس لرئاسة دائرة الأساقفة، وهي واحدة من أقوى الإدارات في الفاتيكان، والمسؤولة عن تعيين الأساقفة حول العالم.
وبحلول 2025، وبعد وفاة البابا فرنسيس في 21 أبريل إثر سكتة دماغية، دخل بريفوست المجمع المغلق مرشحا قويا لخلافته، ليتم انتخابه في النهاية بابا جديدا للكنيسة الكاثوليكية.
- الانتماءات السياسية والمواقف الاجتماعية.
يُعرف ليو الرابع عشر بمواقفه التقدمية، وقد كان حليفا مقربًا للبابا فرنسيس، خلال فترة إشرافه على دائرة الأساقفة، أدخل إصلاحات كبرى، من أبرزها ضم ثلاث نساء إلى لجنة ترشيحات الأساقفة، في سابقة تاريخية.
كما كان من أبرز الداعمين لقضايا العدالة الاجتماعية، مكافحة التغير المناخي، وشمولية الكنيسة. انتقد بشدة سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه الهجرة، واعتبرها مناقضة لتعاليم المسيح ومبادئ "الحلم الأمريكي".
- رؤيته للكنيسة والسلطة
أعرب البابا ليو الرابع عشر عن رؤيته الواضحة للقيادة الدينية، حيث قال في مقابلة مع "فاتيكان نيوز" عام 2023: "علينا أن نكون قريبين من الله، ومن إخوتنا الأساقفة، ومن الكهنة، ومن شعب الله بأسره. السلطة في الكنيسة ليست للتسلط، بل للخدمة والرعاية."
وأكد ضرورة التخلي عن "فكرة السلطة المغلقة"، مشيرًا إلى أن الدور الكنسي يجب أن يكون قائما على التواضع والمرافقة والدعم الروحي.
- تحديات وقضايا مثيرة للجدل
في عام 2000، وُجهت انتقادات لبريفوست بشأن تعامله مع قضايا اعتداءات جنسية ارتكبها كهنة في كل من الولايات المتحدة وبيرو، ورغم نفيه التهم المباشرة، إلا أن هذه القضايا ما زالت تلاحقه إعلاميا، وتثير جدلاً حول دور البابا الجديد في تحقيق العدالة للضحايا.
- تأثير انتخابه على مستقبل الكنيسة.
يُنظر إلى انتخاب ليو الرابع عشر كبداية لمرحلة جديدة في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، فهو يجمع بين الهوية الأمريكية والخبرة اللاتينية، ويأتي من خلفية غنية بالتنوع الثقافي واللغوي والروحاني. ومن المتوقع أن يُواصل نهج البابا فرنسيس الإصلاحي، مع تعزيز دور العلمانيين والنساء في هياكل الكنيسة.
بصفته أول أمريكي يتولى هذا المنصب المقدس، يشكل البابا ليو الرابع عشر رمزًا لتحول عميق في رؤية الفاتيكان للعالم المعاصر. ورغم التحديات التي تنتظره، فإن شخصيته المتواضعة، وخبرته الواسعة، ومواقفه الجريئة، تجعله شخصية محورية في إعادة تشكيل الكنيسة الكاثوليكية في القرن الحادي والعشرين.
المصدر:
