دراسة تكشف السبب العلمي الخفي وراء ظاهرة التأخر المتكرر
أظهرت دراسة علمية حديثة أن السبب وراء التأخر المزمن في المواعيد لا يرتبط بالكسل أو قلة الانضباط، كما يُعتقد عادة، بل قد يكون ناتجا عن اضطراب عصبي يُعرف بـ"عمى الزمن" (Time Blindness)، والذي يؤثر بعمق على قدرة الشخص على إدراك مرور الوقت بدقة.
- ما هو "عمى الزمن"؟ خلل عصبي لا تراه العين
يشير مصطلح "عمى الزمن" إلى فقدان القدرة على تقدير الفترات الزمنية أو الشعور بانسياب الوقت بطريقة طبيعية. وهذا لا يعني أن الشخص غير مهتم بالوقت، بل أنه غير قادر على إدراكه بشكل صحيح.
ويوضح الدكتور موران سيفانانثان، طبيب نفسي في مركز "هنري فورد هيلث" بولاية ميشيغان: "السمة الأساسية لعمى الزمن هي عدم القدرة على استخدام الوقت كمرشد لتخطيط وتنظيم الأنشطة اليومية."
- وظائف تنفيذية مضطربة: السبب الجذري للمشكلة
يرى الخبراء أن المشكلة تنبع من خلل في "الوظائف التنفيذية" للدماغ، وهي مجموعة من العمليات العقلية تشمل:
الذاكرة العاملة
الانتباه
المرونة المعرفية
التخطيط والتنظيم
وهذه الوظائف تُدار غالبا من قبل القشرة الجبهية الأمامية، وهي المنطقة المتأثرة في العديد من الاضطرابات العصبية والنفسية.
- الفئات الأكثر عرضة للإصابة
تشير الدراسات إلى أن "عمى الزمن" قد يظهر لدى أشخاص يعانون من حالات عصبية أو نفسية أخرى، مثل:
اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)
التوحد
الوسواس القهري (OCD)
الاكتئاب والقلق
إصابات الدماغ الرضحية
مرض باركنسون
التصلب المتعدد (Multiple Sclerosis)
وتقول لوري سينغر، محللة سلوكية معتمدة في كاليفورنيا:
"الأشخاص المصابون بعمى الزمن لا يعالجون مرور الوقت بشكل طبيعي، وغالبا ما يفشلون في معرفة المدة التي استغرقوها في أداء مهمة معينة."
التركيز المفرط: عندما يفقد العقل الإحساس بالزمن
بعض المصابين بهذه الحالة يعانون مما يُعرف بـ"التركيز المفرط" (Hyperfocus)، أي التورط الكامل في نشاط معين لدرجة فقدان الإحساس بالوقت تماما، وهو ما يفسر تأخرهم رغم اجتهادهم أو انشغالهم في مهمة مهمة.
حلول عملية لمشكلة التأخر المزمن
رغم أن "عمى الزمن" لا يملك علاجا نهائيا، إلا أن هناك استراتيجيات فعالة للتكيف معه، من أبرزها:
تقسيم المهام الكبيرة إلى خطوات صغيرة وواضحة
استخدام مؤقتات مرئية وساعات تنبيه
بناء روتين يومي ثابت ومتكرر
اعتماد جدول زمني مرن ومحدد زمنيا
التدريب السلوكي والوظيفي لتحسين تقدير الزمن
- تغيير النظرة المجتمعية: ليس كل تأخير نتيجة إهمال
تؤكد الدراسة على ضرورة إعادة النظر في الأحكام الاجتماعية التي تطلق على الأشخاص المتأخرين دائما. فبدلاً من وصمهم بالكسل أو عدم الاحترام، يمكن فهم حالتهم كاضطراب عصبي قابل للتعامل معه بالتفهم والدعم.
- التقدير الخاطئ للزمن ليس ضعفا في الإرادة
هذه الدراسة تفتح آفاقا جديدة لفهم سلوكيات التأخير والتعامل معها برؤية أكثر علمية وتعاطفا، فمعرفة أن التأخير الدائم قد يكون نتيجة اضطراب عصبي، وليس خيارا شخصيا، يساعد في بناء بيئات عمل وتعليم أكثر شمولية ومرونة.
المصدر: نيويورك بوست
