logo yajnoub    

السنيورة: ماكرون يراهن على علاقة فرنسا بإيران لاقناعها بإعادة النظر في سياساتها التدخلية

2020/09/07 - 09:31:50pm   

أشار الرئيس فؤاد السنيورة في حديث الى قناة "الحدث" من محطة "العربية"، الى أنه "بين لبنان وفرنسا علاقات وثيقة تمتد على مدى عقود طويلة". وقال: "لبنان يحتفل في هذه الأيام، بمرور مئة عام على انشاء دولة لبنان الكبير التي أعلنت في العام 1920، إذ أنه وقع تحت الانتداب الفرنسي بعد سقوط الدولة العثمانية ونال استقلاله من فرنسا في العام 1943. وقد نشأت بين لبنان وفرنسا علاقات وثيقة جدا، وكذلك بين اللبنانيين والفرنسيين علاقات ثقافية مبنية على اللغة الفرنسية التي يتقنها عدد كبير من اللبنانيين، وأيضا تلك العلاقات الناتجة عن الصلات السياسية والاقتصادية والمالية التي تربط بين البلدين. وكان يجري تعزيز هذه العلاقات خلال الفترة الماضية، ولا سيما خلال الفترة التي كان فيها الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئيسا للحكومة، إذ أنه وخلال فترة رئاسته للحكومة، وبسبب الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة التي كان يعاني منها لبنان، بادرت فرنسا إلى الدعوة لعقد مؤتمرين دوليين أساسيين لدعم لبنان: باريس-1 وباريس-2، عندما كان الرئيس جاك شيراك رئيسا للجمهورية الفرنسية. ثم دعت فرنسا وخلال حكم الرئيس شيراك، وكنت حينها رئيسا للحكومة، الى عقد مؤتمر باريس-3 لدعم لبنان بعد الاجتياح الإسرائيلي له عام 2006. ذلك كله يدل على مدى تطور وعمق وأهمية الروابط والعلاقات الوثيقة التي كانت ومازالت تربط بين لبنان وفرنسا".


أضاف: "أما خلال المرحلة الحالية، فقد بادر الرئيس ماكرون، واستنادا الى الأوضاع الصعبة التي يمر بها لبنان، ولا سيما بعد التفجير الرهيب والمزلزل الذي حصل في لبنان قبل شهر بالذات، لزيارة لبنان من أجل تقديم الدعم له من فرنسا ومن دول صديقة أخرى. وهو قد دعا إلى عقد مؤتمر شاركت فيه العديد من الدول، بعد عدة أيام على التفجير الرهيب من أجل جمع التبرعات، وكانت محاولته لدعم لبنان هامة ومشكورة. أما زيارته الثانية للبنان، فكانت للتأكيد على دور لبنان وأهمية أن يبادر اللبنانيون إلى إنقاذ بلدهم الذي تردت أوضاعه على أكثر من صعيد، ولا سيما بسبب الاستمرار في الاستعصاء على الإصلاحات من قبل المسؤولين السياسيين. لذلك، أكد الرئيس ماكرون وشدد على جميع السياسيين اللبنانيين الذين التقاهم، وخصوصا من يعتبرون مسؤولين في هذا العهد، والذين كان معظمهم وراء هذا الاستعصاء المزمن على الإصلاح وعلى مدى سنوات طويلة وامتنعوا عن القيام بالإصلاحات التي يحتاجها لبنان في شتى الأمور، أكان في المواضيع السياسية ام الاقتصادية والمالية والنقدية والقطاعية والإدارية أيضا. وهو قد حضهم على بذل كل جهد ممكن لتسهيل تأليف حكومة مستقلة من مجموعة متضامنة ومنسجمة لا تخضع لتأثيرات الأحزاب السياسية في لبنان".


وعن العلاقة بين الرئيس الفرنسي و"حزب الله"، قال الرئيس السنيورة: "فرنسا هي إحدى الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ولها علاقة وثيقة ومصالح كبيرة مع لبنان، انما لديها أيضا علاقات وثيقة ومصالح كبيرة مع إيران، وهي تحاول ان تشق طريقها في تعزيز هذه العلاقة والمراهنة عليها كوسيلة من الوسائل من أجل إقناع إيران بإعادة النظر في سياساتها التدخلية وترشيد الدور الذي تلعبه في المنطقة العربية، وكذلك من أجل تحسين علاقتها مع العالم الغربي. ولذلك أرى أنها مراهنة كبيرة من قبل الرئيس ماكرون على إصلاح ذات البين، ما بين إيران والعالم الغربي من جهة أولى، وإيران وكذلك مع العالم العربي من جهة ثانية".


أضاف: "الرئيس ماكرون عندما يقوم بهذا الجهد، فإنه بالفعل يتصدى لسياسة تدخلية ومتشددة ومتجذرة لدى إيران في وجه العالمين العربي والغربي، اللذان هما في المقابل يعتمدان سياسات متشددة ضدها بسبب سياستها التدخلية في دول المنطقة وغيرها، والمستندة إلى نظرية ولاية الفقيه العابرة للحدود السياسية والعاملة على فرض هيمنتها على عدد من دول العالم وتحديدا عدد من الدول العربية. والمشكلة أن إيران لا تتورع عن القول بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية، وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء".


وعن رغبة فرنسية في فتح علاقة بين لبنان وإيران، قال: "لنكن واضحين. لبنان يريد ان يكون على علاقة جيدة مع جميع دول العالم ومن ضمنها إيران. وإيران حقيقة جغرافية موجودة في جوار عالمنا العربي ولبنان يريد ان يكون على علاقة جيدة مع الجميع ومن ضمنهم إيران، ولكن على أساس قواعد الاحترام المتبادل والعلاقة الندية في التعامل، وعلى أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية لا للبنان ولا لأي دولة عربية. هذا هو الموقف الأساس الذي لدى لبنان".


أضاف: "ما نشكو منه أن إيران تتدخل وتسيطر على لبنان عبر حزب الله الذي أصبح، عبر دويلته التي أنشأها في لبنان، يسيطر ويهيمن على الدولة، ويضغط على لبنان في كافة المجالات السياسية والداخلية والاقتصادية لحماية سلاحه واستمرار سلطته وهيمنته على البلد، مما يؤدي إلى هذا التردي الكبير في جميع الأوضاع السياسية والوطنية والاقتصادية والمالية والمعيشية، كما إلى تخريب علاقات لبنان مع الدول العربية ومع العالم ككل. وقد أدى ذلك الى وضع لبنان في عزلة عميقة من جهة وإلى ترد خطير في أوضاعه الاقتصادية والمالية والنقدية والمعيشية من جهة ثانية. والسبب الأكبر المسؤول عن هذا الانهيار هو هذا التدخل وهذا الاطباق على الدولة والذي يمارسه حزب الله".


وتابع: "لبنان بات بالفعل يريد مخرجا من هذا الوضع الخطير، بعدما أصبح يتحمل ما لا يطيقه من أحمال، وهو وضع لا يمكن أن يستمر نظرا لتداعياته الداخلية والخارجية والمعيشية والأمنية وحتى الوجودية على الدولة اللبنانية. هذه هي المراهنة التي يقوم بها السيد ماكرون لتحقيق هذا الاختراق. وبذلك يستعيد لفرنسا دورا في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في لبنان والعراق، وعلى وجه الخصوص تعزيز دور فرنسا في أوروبا، ولا سيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أظن أنه قد يكون للبنان مصلحة في ذلك. فهل تتحقق هذه المراهنة الكبيرة؟ لدي شكوك كثيرة ولكنها ربما جديرة بالمراقبة والمتابعة لعل وعسى".


وعن المستقبل السياسي لـ"حزب الله" في ظل المتغيرات الدولية والمحلية، قال الرئيس السنيورة: "بداية استشهد بكلام من القرآن الكريم، يقول الله تعالى: "لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا"، ويعني بذلك الأرض والسماء. فوجود دولتين في بلد واحد أمر لا يستقيم، أي لا يمكن لأي دولة أن تكون فيها دويلة تطبق على الدولة الأساسية وتتحكم بها وبقراراتها. هذا أمر غير معقول ولا مقبول، ولا يمكن أن يستمر. اللبنانيون الآن يعانون الأمرين من ذلك، مما يعني بأن على حزب الله ان يختار ليخرج من مأزقه وأن يخرج لبنان واللبنانيون أيضا من مأزقهم. مستقبل حزب الله الآن هو بيده، فإذا أراد أن يتحول لحزب سياسي لا أن يبقى عسكريا، يكون بذلك يقدم خدمة كبيرة بداية لنفسه وثانيا لقواعده الشعبية وثالثا للبنانيين جميعا. ويكون ذلك على أساس أن تعود الدولة اللبنانية لاحتكار حمل السلاح واستعماله عند الاقتضاء على كل الأراضي اللبنانية وهذا من اهم مواصفات وجود الدولة، ويستطيع اللبنانيون عندها أن يحافظوا على وحدتهم الوطنية ويكون لهم الموقف الوطني الجامع تجاه إسرائيل وتهديداتها للبنان".


أضاف: "للاسف أصبحنا الآن في لبنان دولة فاشلة بسبب السيطرة التي يمارسها حزب الله وهذا الاطباق على الدولة اللبنانية وعلى صلاحياتها. ولكن المشكلات التي يتسبب بها الحزب لا تقتصر فقط على لبنان، بل توسعت سلطته وزاد في إطباقه وتدخلاته ليتوسع إلى خارج لبنان. إذ أنه يمارس الآن تدخلاته في سوريا والعراق واليمن وغيرها، وهذه التدخلات قد أضرت بلبنان من كافة النواحي. والتحدي الكبير الذي يواجهه حزب الله الآن يقتضي منه أن يصوب أوضاعه ليتحول كحزب سياسي، وله الحق في ذلك وهو عندها جزء من التركيبة اللبنانية، والتي يستقيم بموجبها وعندها هذا التنوع الفسيفسائي الفريد الموجود في لبنان. اما إذا أراد ان يستمر ويسيطر بسلاحه على الدولة اللبنانية ويتدخل في ما يجري في المنطقة العربية، فلا أعتقد ان هذا الامر يستقيم أو أنه قابل للاستمرار ولا يشجع على الاستقرار في المنطقة".


وتابع: "لبنان يمر الآن في ظرف دقيق جدا حيث أصبح يواجه خطرا وجوديا إذا استمر الوضع على ما هو عليه، من الطبيعي أن هذا الامر لا يمكن انهاؤه بطريقة عنفية او عسكرية فعندها ينتهي لبنان بتدميره كليا. ولا خروج من هذا المأزق سوى بسلوك طريق الادراك لدى الجميع بأن هذا الطريق مسدود ولن ينتهي الى خير ولا يمكن الاستمرار به. هذا الامر يتطلب موقفا لبنانيا متبصرا من جميع اللبنانيين ومن حزب الله أيضا، كما يستدعي تدخلا من أصدقاء للبنان من اجل النظر في إمكانية ترشيد التفكير الإيراني الى ان هذا المسار غير قابل للاستمرار ولا يمكن ان يوصل الى امر فيه الخير للجميع، بل على العكس، فإنه يوصل الى مزيد من التدمير الذاتي لإيران والتدمير لبلدان أخرى في مقدمها لبنان من خلال التدخل الذي تقوم به إيران في المنطقة العربية".


وردا على سؤال عن إمكانيات الحكومة الجديدة وقدرتها على المهمة الثقيلة في ظل الوضع الراهن، قال: "القضية الأساس هي الانهيار الحاصل في ثقة اللبنانيين بدولتهم وبحكومتهم وبالعهد أي برئيس الجمهورية. لقد انهارت الثقة بالجميع وأيضا بالطبقة السياسية، وهذا الانهيار امتد ليشمل التدهور في الثقة لدى المجتمعين العربي والدولي بالحكومة وبالعهد، وهذا بدوره انعكس على الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية وأوصل إلى الانهيار المعيشي وهو ما يتهدد الاستقرار الأمني والاستقرار الوجودي للبنان. الآن وضمن الأشياء التي يمكن ان تشكل لربما نوعا من بداية مخرج لهذه المآزق الحالية كانت في استقالة الحكومة التي ترأسها الرئيس حسان دياب وأيضا كانت الدعوة لتأليف حكومة جديدة".


أضاف: "إن تكليف الرئيس مصطفى أديب قد جرى بعد تلكؤ من رئيس الجمهورية مثلما فعل سابقا عند تكليف الرئيس حسان دياب بعد خمسين يوما، وذلك كان فيه مخالفة فاضحة للدستور، أي ان رئيس الجمهورية يخالف الدستور. أما الآن وقد جرى التكليف، فعلينا أن ننظر ما ستنجلي عنه عملية تأليف الحكومة".


وتابع: "الفكرة التي حاول ان يروج لها الرئيس ماكرون الآن هي إقناع السياسيين اللبنانيين بأن هذه هي فرصتهم الأخيرة، وأنه آن الأوان لسلوك الطريق الذي ينطلق من إدراك الجميع لحراجة الوضع الذي آلت إليه الأمور، والحاجة لإجراء الإصلاحات التي طال أمد الاستعصاء عليها. لذلك كان موقف الرئيس ماكرون وآخرين كثيرين، الذي يختصر توجيه السؤال إلى أولئك السياسيين اللبنانيين، وهو سؤال مهم وواقعي وصريح: الى اين تدفعون ببلدكم؟ وإلى أين تأخذونه؟ هل تدفعون بلدكم الى الخراب والانهيار؟ لذلك، الحل الأمثل يكمن بضرورة أن يتعظ كل حزب سياسي لبناني بأن ليس من مصلحته بعد الآن ان يظل مصرا على تقسيم لبنان إلى مزارع وإمارات، والتي تتفسخ بسببها الدولة. أي ان الدولة اللبنانية قد أصبحت مشرعة الأبواب ومشرذمة وكل حزب يصر على الاحتفاظ بوزارة او بإدارة معينة، وبالتالي أصبحت مواصفات الدولة وشروط وجودها غير متوفرة، وهي كما قلت ينطبق عليها وصف الدولة الفاشلة".


وأردف: "الرئيس المكلف مصطفى اديب يريد تأليف حكومة من اختصاصيين مستقلين وغير منتمين الى أي من الأحزاب. هذا المطلب يعتبر جيدا كخطوة حقيقية وأولى نحو استعادة الدولة اللبنانية لوجودها ولدورها ولسلطتها ولهيبتها. وعليها حينئذ أن تتعامل مع جميع المواطنين على أنها هي الحاضنة للجميع لا أن تتحول الى طرف ينحاز الى فريق ضد فريق آخر من اللبنانيين، مما يهدد الوحدة الوطنية، فضلا عن كونه أمرا يخالف اتفاق الطائف والدستور".


وختم: "تأليف هكذا حكومة هو المطلب وعلى بساطته، مع أني أظنه صعب التحقق بسبب حدة التجاذبات السياسية التي تعصف بلبنان ومنها داخلي والآخر خارجي. ولكن على جميع الأحزاب السياسية أن تتعظ من هذه الدروس وان تحاول بذل كل الجهد لأن يصار الى إنجاح هذه الخطوة في تأليف حكومة منسجمة من اختصاصيين ومن أناس يتمتعون بالنزاهة والكفاءة والجدارة وغير منتمين الى الأحزاب السياسية، وقادرين عندها على تصويب بوصلة لبنان الداخلية والخارجية لما يخدم مصلحة قيام الدولة اللبنانية ومصلحة اللبنانيين".
 


المصدر:  ملحق

 

أخبار ذات صلة