رقصة مذهلة بين النظام والفوضى داخل بلورة زمنيّة

كشف علماء الفيزياء عن سلوك مذهل لبلورة زمنيّة داخل شبه موصل، وذلك عبر تعديل تفاعل الضوء مع هذه المادة الفريدة. فقد أظهروا رقصة مذهلة بين النظام والفوضى، مع تكوّن أنماط رياضية معقدة مثل "سلم الشيطان" و"شجرة فاري"، وكل ذلك داخل بنية متناهية الصغر من أشباه الموصلات.

اكتشاف فريد داخل بلورة زمنيّة

نجح فريق من الباحثين في إجراء ملاحظات غير مسبوقة داخل بلورة زمنيّة تعتمد على شبه موصل، عبر تحفيزها بشكل دوري باستخدام نبضات ضوئية، وعندما تم تعديل تردد النبضات، انتقلت البلورة من حالة تزامن مثالي إلى فوضى معقدة، نتج عنها أنماط رياضية تُعرف باسم "شجرة فاري" و"سُلّم الشيطان".
تُعد هذه المرة الأولى التي يُرصد فيها مثل هذا السلوك داخل أشباه الموصلات، ما يفتح آفاقاً جديدة لفهم الأنظمة غير الخطية وسلوكها الديناميكي المعقد، والذي يتجاوز حدود الفيزياء ليشمل مجالات مثل علم الأحياء والإلكترونيات.

بلورة زمنيّة مستقرة تقود الاكتشاف

قاد الدكتور أليكس غرايليش وفريقه من قسم الفيزياء هذا البحث المتقدم، مستندين إلى دراسات سابقة نُشرت في مجلة Nature Physics. استخدم الباحثون مادة إنديوم غاليوم أرسنايد لإنشاء بلورة زمنيّة مستقرة، حيث أُضيئت بشكل مستمر بواسطة ليزر، مما أدّى إلى استقطاب تلقائي للدوران النووي وظهور تذبذبات منتظمة، وهو السلوك الذي يُميز البلورات الزمنيّة.

من التزامن إلى الفوضى: تحكم دقيق في التردد

في دراستهم الجديدة، غيّر الباحثون طريقة الإثارة، حيث استبدلوا الضوء المستمر بنبضات ليزر دورية، وقاموا بتعديل تردد هذه النبضات. فجاءت استجابة البلورة لافتة، إذ تراوحت التذبذبات الناتجة بين التزامن الكامل والفوضى الكاملة حسب تردد الإثارة.
وقد كشفت الرسوم البيانية تفاصيل هذه التحولات بدقة، حيث أظهرت "هضاب تزامنية" ترتبط بتردد الإثارة عند قيم كسرية معيّنة من التردد الطبيعي للنظام، وهي قيم تُطابق ما يُعرف بسلسلة "شجرة فاري"، في أول توثيق لها ضمن نظام بلوري.

سلم الشيطان: بنية معقدة بين التزامن والفوضى

عندما يُزاد تردد الإثارة خارج نطاق التزامن، تبدأ الترددات في الانقسام إلى فروع متماثلة حول التردد التزامني. هذه الفروع ترتبط بالهضاب التزامنية وتشكل تدريجياً "سلم الشيطان"، وهي بنية رياضية تشير إلى مسار تصاعدي أو تنازلي نحو الفوضى.
ومع تزايد التردد، تُصبح الخطوات أصغر في الارتفاع والعرض، وتتكون عدة سلالم بميول مختلفة، تلتقي لاحقاً وتؤدي إلى حركة فوضوية. تجدر الإشارة إلى أن الفوضى هنا لا تعني العشوائية المطلقة، بل تعني أن تغييرات طفيفة في التردد تؤدي إلى سلوكيات مختلفة تماماً، وعند تجاوز حد معين من التردد، تنهار الفوضى وتعود الحركة إلى الانتظام الدوري.

تطبيقات مستقبلية تتجاوز حدود الفيزياء

يؤكد الدكتور أليكس غرايليش من جامعة TU Dortmund أن هذه هي المرة الأولى التي تُرصد فيها هذه الأنماط ضمن شبه موصل، وهو ما يُعد خطوة كبيرة نحو فهم شامل للأنظمة غير الخطية.
ويضيف: "نتائج هذا البحث الأساسي تُمهد الطريق لفهم كيفية تشكل وتطور الحالات الديناميكية المعقدة تحت تأثير الإثارة الدورية الخارجية، الأمر الذي يمكن أن يُسهم مستقبلاً في تصميم خصائص أشباه الموصلات لتناسب التطبيقات الإلكترونية الحديثة".

ومن الجدير بالذكر أن الأنظمة غير الخطية موجودة أيضًا في عالم الأحياء، مثل دقات القلب، وحركة أسراب الطيور، وأصوات الصراصير، ما يجعل هذه الاكتشافات ذات أهمية عابرة للتخصصات.

المصدر:  SciTechDaily.com