مشاركة الأطفال في فن الكهوف ماقبل التاريخ: حل لغز أثري طويل الأمد
كشفت دراسة جديدة من جامعة تل أبيب عن تفسير جديد ومثير لأحد أكثر الألغاز المحيرة في علم الآثار: لماذا اصطحب البشر الأوائل أطفالهم الصغار جداً، الذين لا تتجاوز أعمار بعضهم العامين، إلى أعماق الكهوف المظلمة والخطرة، للمشاركة في رسومات الكهوف؟
حتى وقت قريب، كانت التفسيرات تتركز حول الجوانب التعليمية والاجتماعية، كجزء من نقل التقاليد والمعرفة بين الأجيال، غير أن فريق الباحثين الإسرائيليين يقترح منظوراً جديداً يربط بين الأطفال وعالم الروحانيات، حيث يُعتقد أن الأطفال كانوا يُعتبرون وسطاء بين العالم المادي والعالم الآخر، قادرين على التواصل مع كائنات غير مرئية يُعتقد أنها تسكن أعماق الأرض.
- آثار أصابع الأطفال على جدران الكهوف القديمة
تُظهر رسومات الأصابع التي عُثر عليها في كهف روفيـنياك في فرنسا، والتي يرجع تاريخها إلى ما بين 14,000 و20,000 سنة مضت، دليلاً قوياً على مشاركة الأطفال في إنشاء فنون الكهوف، هذه الرسومات، التي تتضمن بصمات أيدي وأقدام لأطفال تتراوح أعمارهم بين سنتين واثنتي عشرة سنة، تشير إلى أنهم لم يكونوا مجرد مرافقين للبالغين، بل كانوا جزءاً فعالاً من هذه الطقوس الفنية.
- منظور جديد: الأطفال ككائنات انتقالية بين العوالم
توضح الباحثة د. إيلا أساف، من قسم الآثار في جامعة تل أبيب، أن الأطفال في المجتمعات الأصلية يُنظر إليهم على أنهم يمتلكون خصائص عقلية وروحية مختلفة عن البالغين، تجعلهم أكثر اتصالاً بالعوالم غير المرئية، هذه النظرة مستمدة من دراسات ثقافية وأثرية متعددة، وتشير إلى أن الأطفال كانوا يُعتبرون بمثابة "كائنات انتقالية" بين الحياة والموت، وبين العالم الأرضي والعالم الكوني.
- دور الأطفال في الطقوس والرموز الكونية
تشير د. يافيت كيدار، المشاركة في الدراسة، إلى أن الفن الكهفي ليس مجرد تعبير فني، بل يحمل رمزية كونية وروحية عميقة، في دراسات سابقة، اعتبر الباحثون الكهوف بمثابة "بوابات إلى العالم السفلي"، حيث يُمارس فيها طقوس شامانية للتواصل مع كائنات كونية. في هذا السياق، كانت مشاركة الأطفال تُعد عنصراً أساسياً في هذه الطقوس، لأنهم كانوا يُعتقد أنهم قادرون على التحدث مع الأرواح والكائنات غير البشرية.
المجتمع، الطبيعة، والأطفال: حلقة تواصل مقدسة
وفقاً للدراسة، فإن الأطفال في مجتمعات الصيد وجمع الثمار كانوا يُنظر إليهم على أنهم وسطاء طبيعيون بين الإنسان والكائنات الأخرى في البيئة. فقد كانت علاقتهم بالنباتات والحيوانات، وحتى الصخور والأرواح، تُعد علاقة روحانية عميقة، لذا فإن مساهمتهم في رسومات الكهوف لم تكن مجرد نشاط فني، بل تعبيراً عن دورهم الحيوي في الحفاظ على التوازن بين الإنسان والعالم غير المرئي.
- بصمات القدم الصغيرة كأدلة صامتة
واحدة من أبرز الأدلة التي تدعم هذه النظرية هي آثار أقدام الأطفال التي عُثر عليها في كهوف مثل باسورا، والتي يعود تاريخها إلى نحو 14,000 سنة. هذه البصمات الصغيرة، التي وُجدت إلى جانب آثار أقدام البالغين، تعزز فكرة أن الأطفال شاركوا بفاعلية في الطقوس والأنشطة التي جرت داخل الكهوف.
- ما وراء الفن: فن الكهوف كتعبير عن المعتقدات
يشير البروفيسور ران باركاي، أحد المؤلفين الرئيسيين للدراسة، إلى أن الرسومات الكهفية لم تكن مجرد زخارف أو صور تعليمية، بل انعكاساً لنظرة الإنسان القديم للكون والعالم الروحي.د ويضيف: "الكهوف كانت تُعتبر مداخل إلى عوالم أخرى، وكان الأطفال بحكم موقعهم الوجودي الفريد، يُنظر إليهم كرسل قادرين على نقل الرسائل بين العوالم."
- دراسة رائدة تغير فهمنا لفن ما قبل التاريخ
تمثل هذه الدراسة، التي نُشرت في مجلة Arts، تحولاً جوهرياً في فهمنا لدور الأطفال في المجتمعات القديمة، وتفتح الباب أمام المزيد من الأبحاث حول علاقتهم بالروحانيات، ودورهم في الطقوس والرموز الكونية. ويأمل الباحثون أن تُسهم هذه الرؤية الجديدة في إعادة قراءة التراث الفني لما قبل التاريخ من منظور أكثر شمولية وإنسانية.
المصدر: SciTechDaily.com
