logo yajnoub    

مقارنة استراتيجية بين القدرات النووية للهند وباكستان

2025/05/08 - 07:01:45am    باسم عمور    


تعد كل من الهند وباكستان من الدول النووية النامية، وقد شهدت منطقة جنوب آسيا سباق تسلح نووي محموم منذ أواخر القرن العشرين، وتنبع الخطورة الاستراتيجية من العداء التاريخي المزمن بين الدولتين، خاصة في ظل غياب آليات إقليمية فعالة للحد من التسلح النووي أو إدارة الأزمات. هذا المقال يسلط الضوء على التفاصيل الفنية والاستراتيجية للقدرات النووية لدى كل من الهند وباكستان، ويقدم قراءة تحليلية شاملة لمخاطر التصعيد النووي في المنطقة.
- تطور البرامج النووية: سياق تاريخي
البرنامج النووي الهندي:
انطلقت الهند في تطوير برنامجها النووي منذ خمسينيات القرن الماضي، لأغراض سلمية في البداية، قبل أن تجري أول تجربة نووية عام 1974 تحت مسمى "بوذا المبتسم". ومع ذلك، بقيت الدولة متحفظة نسبيًا بشأن قدراتها حتى أجرت خمس تجارب نووية جديدة عام 1998، ضمن عملية "شاكتي"، معلنةً دخولها الفعلي إلى النادي النووي العالمي، اعتمدت الهند منذ ذلك الحين على استراتيجية "الردع النووي الحدّ الأدنى الموثوق"، وهي تعبير عن عقيدة دفاعية ذات طابع وقائي.
البرنامج النووي الباكستاني:
بدأت باكستان تطوير برنامجها النووي كرد فعل مباشر على التهديد الهندي، حيث استفادت من شبكات دعم دولية سرية، تحت إشراف العالم النووي عبد القدير خان. وفي مايو 1998، وبعد أيام من التجارب النووية الهندية، أجرت باكستان ست تجارب نووية متتالية أظهرت قدرتها على تحقيق توازن ردع مع الهند، بخلاف الهند، تتبنى باكستان عقيدة استخدام نووي أكثر مرونة، ولا تلتزم بسياسة "عدم الاستخدام الأول"، ما يجعل استراتيجيتها أكثر تصعيدا.
- الترسانة النووية: الحجم والتقديرات
ترسانة الهند:
تشير التقديرات الحديثة إلى أن الهند تمتلك حوالي 160 رأسا نوويا، وتستمر في تطوير هذه الترسانة بشكل مدروس ضمن إطار عقيدتها الدفاعية. وتحرص الهند على الحفاظ على "الحد الأدنى من الردع الموثوق"، وتؤكد التزامها بسياسة "عدم الاستخدام الأول"، مما يعني أنها لن تبادر باستخدام الأسلحة النووية في أي نزاع، إلا كرد على هجوم نووي.
ترسانة باكستان:
تمتلك باكستان نحو 165 رأسا نوويا، وهو عدد يعكس جهودها المستمرة لموازنة التفوق التقليدي الهندي في القوات المسلحة، وتتميز الترسانة الباكستانية بسرعة نموها، إذ تشير تقارير دولية إلى أنها من أكثر الترسانات توسعا في العالم. لا تلتزم باكستان بسياسة "عدم الاستخدام الأول"، بل تعتمد على مفهوم "الردع الكامل"، والذي يتضمن إمكانية استخدام الأسلحة النووية حتى في حال الهجمات التقليدية.
- وسائل الإطلاق النووي: التنوع والجاهزية
القدرات الهندية:
صواريخ باليستية: تمتلك الهند مجموعة من الصواريخ الباليستية بعيدة ومتوسطة المدى، مثل "أجني-1" (700 كم)، و"أجني-5" القادر على الوصول إلى مدى يزيد عن 5000 كم، ما يمنحها قدرة استراتيجية عابرة للحدود.
القوة البحرية النووية: قامت الهند بتطوير غواصات نووية هجومية من طراز "Arihant"، وهي قادرة على إطلاق صواريخ باليستية نووية، ما يمنح الهند عنصر الردع البحري الثاني.
القوة الجوية: تشمل الطائرات القادرة على حمل رؤوس نووية كلًا من "ميراج 2000" و"Su-30MKI"، بعد تزويدها بتقنيات خاصة لحمل الأسلحة النووية.
القدرات الباكستانية:
صواريخ باليستية: تملك باكستان طيفا متنوعا من الصواريخ مثل "غوري" و"شاهين-2"، بمدى يصل إلى 2000 كم، وتعمل على تطوير صواريخ جديدة لتعزيز قدرتها على الردع.
أسلحة نووية تكتيكية: طورت باكستان صاروخ "نصر" (Hatf-9)، وهو سلاح نووي تكتيكي قصير المدى (60 كم)، يمكن استخدامه في ساحات القتال للرد على التوغلات التقليدية.
القوة الجوية: تعتمد على طائرات مثل "F-16" الأميركية و"JF-17" المطورة محليا، والمهيأة لحمل الرؤوس النووية.
- العقيدة النووية: فلسفة الردع وأسس الاستخدام
العقيدة النووية للهند:
تقوم على مبدأ الردع الشامل القائم على "الردع الموثوق" وليس على التهديد باستخدام مبكر.
سياسة "عدم الاستخدام الأول" تعتبر حجر الزاوية في الاستراتيجية الهندية.
ترفض الهند استخدام الأسلحة النووية كسلاح تكتيكي أو هجومي.
العقيدة النووية لباكستان:
أكثر مرونة ومفتوحة لاحتمالات التصعيد.
لا تلتزم بسياسة "عدم الاستخدام الأول"، وتحتفظ بحق استخدام الأسلحة النووية كرد على أي تهديد استراتيجي أو تقليدي كبير.
تسعى لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية لتقويض التفوق العسكري التقليدي للهند.
- التهديدات الجيوسياسية ومخاطر التصعيد
نزاع كشمير: تظل كشمير المنطقة الأكثر توترًا بين البلدين، ويكمن الخطر في أن أي تصعيد تقليدي قد يتحول إلى مواجهة نووية.
ضعف قنوات التواصل: على الرغم من وجود بعض الخطوط العسكرية الساخنة، إلا أن غياب آلية شاملة لإدارة الأزمات يزيد من احتمالات الخطأ في التقدير.
سباق التسلح المتواصل: تعمل كل من الهند وباكستان على تحديث قدراتها النووية بانتظام، ما يؤدي إلى تراكم المخاطر دون وجود اتفاقيات نزع سلاح أو قيود فاعلة.
- المواقف الدولية وتوازن القوى
الهند: تسعى لتعزيز مكانتها كقوة نووية مسؤولة، وتحظى بدعم من بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، رغم أنها لم توقّع على معاهدة عدم الانتشار النووي.
باكستان: تدافع عن امتلاكها للسلاح النووي باعتباره ضرورة أمنية، وتطالب بالاعتراف بها كدولة نووية رسمية.
الدور الدولي: تلعب الصين وروسيا والولايات المتحدة أدوارا مباشرة وغير مباشرة في توازن القوى، من خلال التعاون الدفاعي، وتزويد التكنولوجيا، والتأثير الجيوسياسي.
- خلاصة: الردع النووي بين الاستقرار والهشاشة
رغم أن القدرات النووية لكل من الهند وباكستان ساهمت في خلق توازن ردع يمنع اندلاع الحروب الشاملة، إلا أن هذا التوازن يظل هشا للغاية، في ظل غياب اتفاقيات لنزع السلاح أو أنظمة رقابة مشتركة، فإن خطر الانزلاق العرضي إلى صراع نووي يبقى قائما، إن إدارة التوترات في جنوب آسيا تتطلب حوارا استراتيجيا أكثر انفتاحا، وإرادة سياسية جادة لضبط النفس، وتعزيز قنوات التواصل بين البلدين.


المصدر:  

 

 مقارنة استراتيجية بين القدرات النووية للهند وباكستان

أخبار ذات صلة