رصد اللحظات الأولى لتشكّل القلب البشري بدقة مذهلة
تمكن فريق بحثي دولي من رصد اللحظات الأولى لتشكّل القلب البشري عبر تقنية تصوير مجهري متقدمة تعتمد على شرائح الضوء ثلاثية الأبعاد، في اختراق علمي غير مسبوق أعاد صياغة النظرة التقليدية لتكوّن الأعضاء في الجنين.
قاد الدراسة علماء من جامعة كوليدج لندن، حيث راقبوا عن كثب مراحل التخلق الجنيني في أجنة الفئران، وهي مرحلة مبكرة من التطور تعادل بدايات التكوّن في الجنين البشري. تمكّن العلماء من مشاهدة لحظة ظهور الخلايا القلبية المتخصصة بعد ستة أيام فقط من بدء النمو الجنيني، وهي لحظة تشبه عزفا متناغما لسيمفونية حياة بلا قائد.
- خلايا تضيء كالمجرات في رقصة تكوينية دقيقة
من خلال استخدام علامات فلورية متقدمة، تحولت الخلايا القلبية إلى كائنات مضيئة، تتحرك بتناغم مذهل في مشهد بصري فريد يشبه رقصة كونية منظمة.د، وقد تم التقاط صور دقيقة كل 120 ثانية، على مدى 40 ساعة متواصلة، لتوثيق كل حركة، وكل انقسام، وكل مسار اتخذته الخلايا خلال تشكّلها.
بعكس ما كان يُعتقد سابقا، لم تكن هذه الحركات عشوائية، بل أظهرت الخلايا سلوكا منظّما يسير وفق خارطة وراثية دقيقة. فقد اتخذت خلايا البطينين مسارًا مختلفًا تمامًا عن خلايا الأذينين، ما يدل على وجود "بوصلة جينية" تحدد موقع ووظيفة كل خلية من البداية.
- تشكل الأنبوب القلبي: بداية معجزة الخلق
أكثر ما أدهش العلماء هو لحظة تشكل الأنبوب القلبي البدائي، وهو النواة التي يتطور منها لاحقا القلب الكامل، بدا هذا الأنبوب في بداياته كأنه دودة مضيئة، سرعان ما بدأت في التمايز إلى حجرات وجدران قلبية، بطريقة تشبه فن "الأوريغامي" الياباني ولكن على مستوى مجهري فائق الدقة.
تُعد هذه اللحظة مفتاحًا لفهم أسباب العديد من العيوب الخلقية، مثل الثقوب القلبية والتشوهات الصمامية، وتشير الدراسة إلى أن هذه العيوب قد تنشأ عندما تفقد الخلايا بوصلتها التنظيمية في هذه المرحلة المبكرة جدا من التخلق.
- إعادة تعريف التطور الجنيني والخطوة نحو طب المستقبل
يقول الدكتور كينزو إيفانوفيتش، رئيس الفريق البحثي: "كنا نعتقد أن الخلايا تبدأ في التمايز بعد تحركها بشكل عشوائي، لكن ما رأيناه هو برنامج خلوِي دقيق يُفعّل منذ اللحظة الأولى. أي خلل في هذا البرنامج قد يؤدي إلى تشوهات خطيرة."
هذا الإنجاز لا يُعيد فقط كتابة فهمنا لعلم الأجنة، بل يفتح الباب أمام إمكانيات مستقبلية في الطب التجديدي. فمع القدرة على تصوير الخلايا القلبية بهذه الدقة، يمكن للعلماء في المستقبل محاكاة نمو القلب في المختبر، أو تصحيح مسارات الخلايا لدى الأجنة المعرضة للتشوهات.
ولا تقتصر التطبيقات المحتملة على القلب فقط، إذ يؤكد الباحثون أن هذه التقنية الثورية قد تستخدم لرصد تطوّر أعضاء حيوية أخرى مثل الدماغ والكبد، ما يمهد لثورة علمية شاملة في الطب والتقنيات الحيوية.
المصدر: الغارديان
