logo yajnoub    

تأثير العوامل الوراثية والبيئية على خطر إصابتك بالأمراض المزمنة

2025/06/03 - 06:36:10am    باسم عمور    

حين جلست في غرفة الفحص الطبي، فاجأتني طبيبتي بقولها: "الوراثة لا تهم حقا في الأمراض المزمنة، فأسلوب حياة الشخص، ما يأكله، ومدى ممارسته للرياضة، هي ما يحدد إن كان سيصاب بأمراض القلب أم لا".
بصفتي باحثا في علم الوراثة المرتبط بالأمراض، لا أعارض هذا الرأي تماما؛ فالعوامل المرتبطة بنمط الحياة تلعب دورا مهما، ومع ذلك فإنها ليست سوى جزء من الحكاية فمنذ أن تم فك شفرة الجينوم البشري في عام 2003، أصبح من الواضح أن الجينات لها تأثير كبير أيضا على خطر الإصابة بالأمراض.
- ما مدى تأثير الجينات فعليا؟
تشير دراسات التوريث – التي تحاول تحديد النسبة التي تفسر بها الجينات خطر الإصابة بالأمراض – إلى أن الاختلافات الجينية تساهم بنسبة كبيرة في هذا الخطر. فعلى سبيل المثال، يُقدّر أن داء السكري من النوع الثاني موروث بنسبة 17%، بينما تصل وراثة مرض الفصام إلى حوالي 80%.
وعلى عكس الأمراض الوراثية البسيطة مثل التليف الكيسي أو تاي-ساكس، التي تنشأ بسبب طفرة واحدة في جين واحد، فإن الأمراض المزمنة غالبا ما تكون "متعددة الجينات" – أي ناتجة عن طفرات في عدة جينات موزعة على الجينوم بأكمله.
- بيئة الحياة: وجه آخر للعملة
كل مرض معقّد تقريبا له مكونات وراثية وبيئية، وغالبا ما تُدرَس هذه العوامل بشكل منفصل بسبب تعقيدات فنية ونقص في قواعد البيانات الشاملة، ومع ذلك تمكّن بعض الباحثين من تطوير أدوات جديدة تساعد على قياس التأثير المشترك بين العوامل الجينية والبيئية.
- الأسبرين، الجينات، وسرطان القولون: مثال توضيحي
في عام 2001، بحث العلماء في مركز فريد هاتشينسون للسرطان ما إذا كان تناول الأسبرين بانتظام يقلل من خطر الإصابة بسرطان القولون. وافترضوا أن بعض الطفرات الجينية التي تُبطئ استقلاب الجسم للأسبرين قد تُعزز من تأثيره الوقائي، وفعلاً كان للأسبرين تأثير وقائي فقط لدى من لديهم استقلاب بطيء للدواء أي أن فعالية دواء معين قد تعتمد على الجينات الخاصة بكل شخص.
- التفاعلات الجينية البيئية: ما نعرفه اليوم
قمنا أنا وزميلي ألكيس برايس بتطوير أدوات لتحليل قواعد بيانات ضخمة، مثل "البنك الحيوي البريطاني" الذي يحتوي على معلومات جينية وصحية لنحو 500,000 شخص. قمنا بدراسة تأثير ملايين الطفرات الجينية على 33 صفة ومرضًا معقدًا، ووفقًا للتعرّض البيئي مثل تلوث الهواء، التدخين، وأنماط التغذية.
وجدنا ثلاث أنواع رئيسية من التفاعلات الجينية البيئية:
1. اختلاف تأثير الجينات حسب البيئة
رصدنا 19 زوجا من الصفات البيولوجية والعوامل البيئية التي تتأثر بها الطفرات الجينية. فمثلا، وجدنا أن العلاقة بين الجينات وعدد كريات الدم البيضاء تختلف بين المدخنين وغير المدخنين.
2. الوراثة تتغير حسب البيئة
وجدنا أن وراثة بعض الصفات تصبح أقوى في بيئات معينة. فمثلا، تزداد وراثة مؤشر كتلة الجسم بنسبة 5% لدى الأشخاص الأكثر نشاطا بدنيا. ومن هذه الأمثلة أيضا: الكوليسترول الجيد واستهلاك الكحول، وكذلك العصابية والأرق الذاتي.
3. التضخيم المتناسب بين الوراثة والبيئة
في هذا النوع، تزداد التأثيرات الجينية والبيئية معًا. فمثلًا، كلما زادت الساعات التي يقضيها الشخص في مشاهدة التلفاز، زاد تأثير الوراثة والبيئة على نسبة محيط الخصر إلى الورك.
- الجنس البيولوجي عامل مؤثر أيضا
لم تتوقف الدراسة عند البيئة فقط، بل رُصِدَ أيضا تأثير الجنس البيولوجي على التفاعلات الجينية، فمثلا ظهر أن العصابية تتأثر بالجينات بشكل مختلف بين الرجال والنساء. وكذلك ضغط الدم الانقباضي تأثر بالجنس، مما يشير إلى وجود طفرات جينية تؤثر على الرجال والنساء بطرق مختلفة.
- ما الذي تعنيه هذه النماذج الجديدة؟
نقترح أن هذه الأنماط الثلاثة من التفاعل تساعد الباحثين على فهم الآليات البيولوجية التي تربط الجينات والبيئة بتطور الأمراض، فعلى سبيل المثال، قد تؤثر العوامل البيئية على مسارات جينية معينة، مثل مسار تخليق الهيم في كريات الدم الحمراء، مما يفسر بعض أنواع فقر الدم أو حتى تطور السرطان.
- نحو طب شخصي أكثر دقة
في المستقبل، قد تساعد هذه النتائج في تطوير علاجات مخصصة بناءً على التركيبة الجينية للفرد. فقد يتمكن الأطباء من تحديد ما إذا كان من الأفضل للمريض خفض خطر إصابته بأمراض القلب من خلال تناول أدوية لتقليل الوزن أو عبر ممارسة التمارين الرياضية.
أظهرت نتائجنا أن دراسة التفاعل بين الجينات والبيئة لا توضح فقط العوامل المسببة للأمراض، بل تُنير أيضا المسارات البيولوجية التي تؤدي إلى المرض، وتفتح آفاقا جديدة في مجال الطب الدقيق والعلاجات الشخصية.


المصدر:   livescience

 

 تأثير العوامل الوراثية والبيئية على خطر إصابتك بالأمراض المزمنة

أخبار ذات صلة

 

تابعونا