الفرق بين النمر والفهد: كيف تميّز بين هذين المفترسين الرائعين؟

في الغابات الكثيفة أو بين الأعشاب الطويلة، قد تلمح حيوانا مفترسا ضخما، بفراء مميز مرقط ببقع سوداء على خلفية صفراء أو ذهبية. للوهلة الأولى، قد تعتقد أنه نمر (Leopard)، لكنه قد يكون فهدا (Jaguar). فمع تشابه البنية والفراء والعادات، قد يصعب التمييز بينهما، لكن هناك فروقا دقيقة تكشف كل واحد منهم.
- موطن مختلف على جانبي العالم
أول الفروق بين النمر والفهد تكمن في الموقع الجغرافي؛
الفهد (Jaguar) يعيش في الأمريكيتين، وخاصة في أمريكا الجنوبية، والمكسيك، وأجزاء من أمريكا الوسطى.
النمر (Leopard) ينتشر عبر إفريقيا، وأجزاء من الشرق الأوسط، وجنوب وشرق آسيا.
ورغم أنهما يعيشان في قارتين مختلفتين، إلا أنهما يشتركان في سلف تطوري مشترك منذ ملايين السنين.
- جذور تطورية متفرعة
ينتمي كل من الفهد والنمر إلى جنس Panthera، الذي يضم أيضًا الأسود والنمور والفهود الثلجية.
منذ نحو 3.6 إلى 2.5 مليون سنة، انفصل الفهد عن سلفه المشترك مع النمر والأسد.
الفهود بدأت بالهجرة من أوراسيا، وصولا إلى أمريكا الشمالية عبر جسر بيرنغ البري خلال العصر الجليدي الأخير، ثم إلى أمريكا الجنوبية حيث تعيش حاليا.
أما النمور فقد انفصلت عن الأسود قبل حوالي مليوني سنة، وانتشرت في إفريقيا وآسيا، مكوّنة ثماني سلالات إقليمية.
ورغم التشابه، فإن الفهد والنمر ليسا أقرب الأقرباء لبعضهما.
- الفرق في البقع: الرُصَيعات تكشف السر
البقع الداكنة التي تزين الفراء – والتي تسمى "رُصَيعات" (rosettes) – تشكل مفتاح التمييز:
رُصَيعات الفهد كبيرة وغالبا ما تحتوي على نقطة سوداء في منتصفها.
رُصَيعات النمر أصغر حجمًا وأكثر كثافة، ولا تحتوي على نقطة مركزية.
كما أن هذا التلوين التمويهي هو نتيجة تطور مشترك يُعرف بـ"التطور المتوازي"، حيث تعزز الأنماط المرقطة القدرة على التمويه في البيئات المظللة والغابات الكثيفة.
- الفرو والبنية: رياضي مقابل لاعب كمال أجسام
بحسب الباحثة "أليسون ديفلين" من منظمة "بانثيرا":
النمر يتميز ببنية رياضية مرنة؛ يمكنه تسلق الأشجار والركض والانقضاض بسرعة.
الفهد أكثر ضخامة، بكتفين وصدر ورأس عريض، ما يتيح له عضّة قوية قادرة على كسر الجمجمة أو قشرة السلاحف.
في حين تستخدم النمور الخنق كوسيلة للقتل، فإن الفهود تملك قوة فكية خارقة تسمح لها بقتل الفرائس عبر اختراق الجمجمة أو تحطيم الأصداف.
- القدرات الشجرية: النمر يتسلق والفهد يفضل الأرض
النمر أخف وزنا (نحو 80 كغ) مقارنة بالفهد (حتى 120 كغ)، ويتميز بذيل أطول (يصل حتى متر)، ما يمنحه توازنا مثاليا فوق الأشجار.
كما يستغل النمر هذه الميزة لتخزين فرائسه فوق الأشجار، بعيدا عن أعين المفترسات الأخرى.
أما الفهد، فرغم قدرته على التسلق، إلا أنه يفضل البقاء على الأرض، ويصطاد غالبا على مستوى منخفض مستخدما تكتيكات الكمون والاقتراب الصامت.
- التحول الميلانيني: النمر الأسود والفهد الأسود
اللون الأسود في بعض الفهود والنمور ليس نوعا منفصلا، بل حالة تُعرف بـ"الطور الميلانيني" – نتيجة طفرة جينية.
الفهود السوداء أكثر شيوعا في غابات ماليزيا المظلمة.
الفهود السوداء الأمريكية (التي هي فهود ميلانينية) تنتشر في أعماق غابات الأمازون.
ورغم غرابة مظهرها، إلا أن هذه الحيوانات النادرة معرضة أكثر للخطر من نظيراتها المرصعة.
- تهديدات متزايدة وخطر الانقراض
سواء كان فهدا أو نمرا، فكلا النوعين مهددان:
فقدان المواطن الطبيعية
الصيد الجائر
الاتجار غير المشروع بالحياة البرية
وبحسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، فإن أعداد النمور والفهود آخذة في التناقص. لكن الباحثين يؤكدون أن الأمل لا يزال قائما:
"إذا توفرت البيئة المناسبة، والفرائس الكافية، والحماية الفعالة، فإن هذه الحيوانات الرائعة قادرة على الاستمرار"، كما تقول ديفلين.
ورغم التشابه الظاهري بين النمر والفهد، فإن التفاصيل الدقيقة في الجغرافيا، وعلم الوراثة، والبنية الجسدية، وأنماط السلوك، تبيّن لنا مدى تفرّد كل نوع، إن فهم هذه الفروق لا يعزز معرفتنا بالطبيعة فقط، بل يدفعنا أيضا إلى الحفاظ على تنوعها الغني.

المصدر:   livescience