سمنة الأم تُعيد برمجة صحة الجنين مدى الحياة: دراسة تكشف السبب البيولوجي

كشفت دراسة علمية حديثة أجرتها جامعة بون في ألمانيا أن الأطفال الذين يولدون لأمهات مصابات بالسمنة يكونون أكثر عرضة للإصابة باضطرابات التمثيل الغذائي، حتى وإن اتبعوا نظاما غذائيا صحيا بعد الولادة، وتفسّر الدراسة هذا التأثير طويل الأمد بأنه نتيجة لتغيّرات بيولوجية مبكرة تحدث خلال فترة الحمل.
- البرمجة الجنينية تبدأ في الكبد
في تجارب أُجريت على الفئران، وجد الباحثون أن نوعا خاصا من الخلايا المناعية تُعرف باسم "خلايا كوبفر" - وهي نوع من البلعميات الكبيرة المقيمة بشكل دائم في الكبد - تتعرض لإعادة برمجة أثناء نمو الجنين في رحم الأم المصابة بالسمنة، ويُعتقد أن هذه النتائج تنطبق أيضا على البشر، بحسب الدراسة التي نُشرت في مجلة Nature.
- خلايا كوبفر: قادة الأوركسترا داخل الكبد
توضح البروفسورة د. إلفيرا ماس، من معهد LIMES بجامعة بون، أن خلايا كوبفر لا تقتصر وظيفتها على حماية الكبد من الميكروبات والتخلص من الخلايا التالفة، بل تلعب دورا تنظيميا مهما عبر توجيه الخلايا الكبدية (الهيباتوسايتس) في كيفية أداء وظائفها الحيوية.
لكن عندما تكون الأم مصابة بالسمنة، يبدو أن هذه الخلايا تتلقى إشارات غير طبيعية تؤدي إلى تغيير "لحنها التنظيمي" من سيمفونية بيتهوفن إلى مقطوعة لفيفالدي، كما وصفت ماس مجازيا، مشيرةً إلى حدوث تغيير جذري في إشاراتها.
- التغير يبدأ قبل الولادة
ووفقا للدكتور هاو هوانغ، من مختبر ماس، فإن الفئران المولودة لأمهات بدينات طورت كبدا دهنيا بعد الولادة مباشرة، حتى عندما كانت تتغذى على نظام غذائي طبيعي. وقد أرجع الباحثون ذلك إلى إعادة برمجة خلوية مبكرة تحدث خلال الحمل، حيث تؤثر المستقلبات الصادرة من الأم على "خلايا كوبفر"، مما يفعّل عامل نسخ (transcription factor) يغيّر نشاط الجينات داخلها.
- الكبد الدهني والتهاب مزمن قد يؤدي للتليف والسرطان
عند تنشيط هذا العامل الجيني في خلايا كوبفر، تبدأ بإرسال إشارات تُحفّز الخلايا الكبدية على امتصاص الدهون، ما يؤدي إلى تراكم الدهون داخل الكبد، ومن ثمّ تطور مرض الكبد الدهني، ويرتبط هذا المرض بردود فعل التهابية قوية قد تؤدي إلى موت الخلايا وتشكّل نسيج ندبي (تليّف)، مما يضعف وظيفة الكبد تدريجيا ويرفع خطر التحول السرطاني.
- هل يمكن إيقاف هذا المسار؟
في خطوة تجريبية مهمة، قام الباحثون بإزالة عامل النسخ المُسبِّب لهذا التغير وراثيًا أثناء الحمل، فلاحظوا أن النسل لم يطور كبدًا دهنيًا. هذا يفتح الباب أمام إمكانية تطوير علاجات دوائية مستقبلية تستهدف هذه الآلية.
- أمراض تنشأ قبل الولادة
تختتم البروفيسورة ماس بالقول:
"يتضح لنا بشكل متزايد أن العديد من الأمراض البشرية تبدأ في مراحل مبكرة جدًا من التطور الجنيني. وتعد دراستنا واحدة من القلائل التي توضّح بدقة كيف يمكن أن تحدث هذه البرمجة المبكرة."

المصدر:   University of Bonn News