كيف تكشف فضلاتك عن سرطان البنكرياس قبل ظهور الأعراض؟
سواء تناولت فطورك هذا الصباح أم لا، فإن البنكرياس يعمل بصمت، يُنتج الإنزيمات التي تهضم الطعام، والهرمونات التي تنظم عملية الأيض، ولكن عندما يختل عمل هذا العضو الحيوي، قد تكون العواقب مدمّرة.
فـ سرطان البنكرياس يُلقب بـ"القاتل الصامت" لسبب وجيه، إذ غالبا ما لا يُكتشف إلا في مراحل متقدمة يكون فيها العلاج محدودا، في المملكة المتحدة وحدها، سُجلت أكثر من 10,700 حالة إصابة و9,500 حالة وفاة بين عامي 2017 و2019، والأرقام في ازدياد.
- القناة البنكرياسية: نقطة الانطلاق للمرض الصامت
النوع الأكثر شيوعا من المرض، وهو سرطان غُدية القناة البنكرياسية (PDAC)، ينشأ في القناة التي تربط البنكرياس بالأمعاء الدقيقة، وعندما تتشكل الأورام في هذا الموضع، قد تعيق تدفق الإنزيمات الهاضمة، مما يؤدي إلى اضطرابات في الاستقلاب تُسبب إرهاقا دائما وشعورا عاما بالاعتلال.
لكن المفارقة أن هذه الأعراض غالبا ما تكون خفيفة وغير ملحوظة، مما يجعل من السهل تجاهلها أو نسبها لأسباب أخرى.
- مفاجأة من البراز: كنز معلومات مخفي
في تطور علمي جديد، لجأ الباحثون إلى مصدر غير متوقّع للكشف المبكر عن سرطان البنكرياس: عينات البراز، فرغم أن تحليل الفضلات قد يبدو وسيلة غير مألوفة للتشخيص، إلا أن الفضلات البشرية تحمل بصمة حيوية عن صحتنا.
والسبب في ذلك أن الأمعاء البشرية تستضيف تريليونات من البكتيريا، يفوق عددها الخلايا البشرية بمعدل يقارب 40 تريليون مقابل 30 تريليون خلية. هذه المجتمعات الميكروبية تعكس حالة الجسم الصحية، بما في ذلك وجود الأمراض.
ونظرا لأن سرطان البنكرياس غالبا ما ينشأ في جزء مرتبط بالجهاز الهضمي، فإن تحليل البراز يشكل نافذة غير جراحية عملية إلى ما يجري داخل أجسامنا.
- أدلة عالمية تدعم الاكتشاف
اعتمدت هذه المقاربة الجديدة في دراسات أُجريت في اليابان والصين وإسبانيا، لكن الاختراق الأبرز جاء من دراسة دولية حديثة في عام 2025، شملت علماء من فنلندا وإيران.
استخدم الباحثون تقنية تُعرف بـ تسلسل الجين 16S rRNA لتحليل الحمض النووي البكتيري في عينات البراز. وتُستخدم هذه التقنية لتحديد وتصنيف أنواع البكتيريا من خلال تسلسل منطقة جينية مشتركة.
وقد أظهرت النتائج أن المرضى المصابين بسرطان البنكرياس لديهم تنوع ميكروبي منخفض مقارنة بالأصحاء، مع وجود أنواع معينة من البكتيريا بكثافة غير طبيعية – إمّا مفرطة أو نادرة.
- الذكاء الاصطناعي يُميز السرطان من خلال البكتيريا
الأهم من ذلك أن الفريق البحثي طوّر نموذجا ذكائيا اصطناعيا قادرا على التمييز بدقة بين المرضى والأصحاء اعتمادا فقط على تركيبة الميكروبيوم المعوي.
وفيما تستمر تطورات التكنولوجيا الحيوية، فإن تقنيات أحدث مثل تسلسل الميتاجينوم الشامل (Shotgun Metagenomics) توفر دقة غير مسبوقة، حيث تسمح بتحليل الجينوم البكتيري الكامل، بل وتكشف عن عمليات نقل البكتيريا بين الأشخاص.
- التحول إلى فهم الإنسان كبُنية بيولوجية متكاملة
تشير هذه الاكتشافات إلى تحوّل جذري في الطب: من رؤية صحية محورها الإنسان فقط، إلى تصور الإنسان كـ"نظام بيئي" يضم شراكة دقيقة بين الإنسان والميكروبات التي تعيش معه.
- أبعد من سرطان البنكرياس: آفاق جديدة للتشخيص المبكر
تُطبق حاليا أساليب مشابهة لدراسة سرطان القولون والمستقيم. ففي مركز "كوادرام"، تم تحليل أكثر من ألف عينة برازية باستخدام أدوات حوسبة متقدمة لإعادة بناء الجينومات البكتيرية ودراسة وظائفها.
والمثير أن العلاقة بين البكتيريا والسرطان ليست من طرف واحد؛ فبعض أنواع البكتيريا تشير إلى وجود المرض، بينما قد يغير المرض ذاته من طبيعة الميكروبيوم، كما لوحظ في مرض باركنسون.
- ثورة في التشخيص والعلاج قادمة من الأمعاء
رغم أن فهم هذه الشبكات الدقيقة لا يزال معقدا، فإن تقدم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية يساعد العلماء على تفكيك أسرار هذا العالم المجهري، ما يمنح الأمل في الكشف المبكر، بل وحتى الوقاية، من أمراض خطيرة مثل سرطان البنكرياس.
ورغم أن هذه النتائج لا تزال بحاجة إلى المزيد من التجارب السريرية، إلا أن الأمل يلوح في الأفق: قد يصبح تحليل البراز أداة تشخيصية رئيسية تنقذ آلاف الأرواح من "القاتل الصامت".
المصدر: Sciencealert
