أعجوبة الرمال المتحركة: كيف شكّلت الرياح والزمان أطول كثيب رملي في أوروبا
لا يُعد "كثيب بيلا العظيم" (La Grande Dune du Pilat) مجرد معلم طبيعي خلاب على الساحل الأطلسي لفرنسا، بل هو نظام بيئي حيّ ومتحرك يتشكل باستمرار عبر الزمن تحت تأثير الرياح وتغيرات المناخ، يُعتبر هذا الكثيب أطول كثيب رملي في أوروبا، ويصل ارتفاعه إلى أكثر من 100 متر (حوالي 330 قدماً) فوق مستوى سطح البحر.
تشكل هذا العملاق الرملي على مدى 4000 عام، وهو يقف شاهدا على القوى الجيولوجية والمناخية التي صاغت الساحل الجنوبي الغربي لفرنسا، جنوب غرب مدينة بوردو. الكثيب يمتد بطول 2.7 كيلومتر بمحاذاة الساحل ويتوغل نحو الداخل لمسافة نصف كيلومتر.
الكثيب المتحرك: رحلة الرمال سنويا نحو الداخل
على الرغم من مظهره الثابت، إلا أن كثيب بيلا في حركة دائمة، فالرياح البحرية تدفع الرمال تدريجياً نحو الداخل، بمعدل يتراوح بين 4 إلى 5 أمتار سنويا، تنساب حبيبات الرمال صعودا على المنحدر اللطيف المواجه للبحر، ثم تنحدر بسرعة نحو الجانب الداخلي شديد الانحدار، والذي قد تصل زاويته إلى 29 درجة.
تُظهِر الطبقات القديمة من التربة، المعروفة باسم "الباليوسولات"، تاريخا من التغيرات المناخية التي أثرت على الكثيب، هذه الطبقات الداكنة المدفونة داخل الرمال تكشف كيف ساهمت الفترات الباردة والجافة في تراكم الرمال، بينما ساعدت الفترات الدافئة والرطبة على نمو الغابات التي عملت بدورها على تثبيت الرمال ومنع زحفها العشوائي، مما ساهم في ارتفاع الكثيب.
الغابات والحرائق: أثر الإنسان والطبيعة على الكثيب
أُنشئت غابات من أشجار الصنوبر البحري والبلوط الإنجليزي في القرن التاسع عشر كوسيلة للحد من تحرك الرمال، هذه الغابات أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظام البيئي المحيط بالكثيب، إلا أن الطبيعة لها كلمتها، ففي يوليو من عام 2022، اجتاحت حرائق هائلة المنطقة، والتهمت أكثر من 6000 هكتار من هذه الغابات (ما يعادل 23 ميلاً مربعاً)، مما أحدث تأثيرا بيئيا كبيرا، رغم أن آثار الحريق لا تظهر في الصور الملتقطة عام 2024.
خليج أركاشون: ملاذ بيئي غني بالتنوع الحيوي
يقع كثيب بيلا بالقرب من مدخل "خليج أركاشون"، وهو مصب بحري يتخلل الشريط الساحلي الرملي الطويل جنوب غرب فرنسا، يتميز هذا الخليج بتكويناته الديناميكية من القنوات الرملية والبنوك البحرية مثل "بانك دارغين" (Banc d’Arguin)، والتي تتغير باستمرار بفعل المد والجزر.
ضمن هذا المصب شبه المغلق، تنمو المستنقعات المالحة التي تحتضن تنوعًا غنيًا من النباتات والحيوانات، كما تحتل "جزيرة الطيور" (Île aux Oiseaux) مكانة بارزة كمأوى طبيعي تستخدمه أكثر من 150 نوعاً من الطيور خلال مختلف فصول السنة.
كثيب حيّ يروي قصة الأرض والسماء
يشكل كثيب بيلا العظيم شهادة حية على التفاعل المستمر بين الأرض والعوامل الجوية، وعلى قدرة الطبيعة على بناء منظومات بيئية معقدة من أبسط العناصر: الرمال، والرياح، والماء، ومن خلال صور القمر الصناعي "لاندسات 8" التابع لوكالة ناسا، تُسلّط الأضواء مجددا على أهمية المحافظة على هذه الأعاجيب الطبيعية في مواجهة التغيرات المناخية والتحديات البيئية المستقبلية.
المصدر: SciTechDaily.com
