ابتكار نموذج ذكي يُمثل توأم رقمي للدماغ البصري باستخدام الذكاء الاصطناعي
ابتكر باحثو جامعة ستانفورد نموذجا ذكياً يُمثل "توأما رقميا" للدماغ البصري للفأر من الذكاء الاصطناعي. هذا النموذج قادر على التنبؤ بنشاط الدماغ عند التعرض لمحفزات بصرية جديدة، ويفتح آفاقا غير محدودة لإجراء تجارب افتراضية دقيقة وفعالة، مما يُقرب العلماء من فك شيفرة كيفية تنظيم الدماغ للمعلومات.
التوأم الرقمي: محاكاة عصبية تُحدث ثورة بحثية
تماما كما يستخدم الطيارون أجهزة المحاكاة لتدريبهم، يعمل العلماء الآن على إجراء تجاربهم على محاكاة رقمية واقعية بشكل مذهل لدماغ الفأر، النموذج الجديد تم تطويره باستخدام الذكاء الاصطناعي عبر تدريب مكثف على بيانات ضخمة من نشاط دماغي حقيقي لفئران شاهدت مقاطع فيديو متنوعة.
بمجرد تدريب هذا النموذج، أصبح بإمكانه التنبؤ بكيفية استجابة عشرات الآلاف من الخلايا العصبية لمحفزات بصرية جديدة، بدقة عالية.
اختلاف جذري عن النماذج السابقة
ما يميز هذا التوأم الرقمي عن نماذج الذكاء الاصطناعي السابقة هو قدرته على التعميم، أي التنبؤ باستجابات الدماغ لمحفزات لم يسبق له رؤيتها، حتى أنه يستطيع استنتاج الصفات التشريحية للخلايا العصبية، وهو ما يمثل قفزة نوعية في فهم كيفية عمل الدماغ.
النموذج يُصنف ضمن "نماذج الأساس"، وهي فئة متطورة من الذكاء الاصطناعي تتعلم من بيانات ضخمة وتستطيع لاحقا تطبيق تلك المعرفة على مهام وبيانات جديدة خارجة عن نطاق التدريب.
تجربة السينما للفئران: البيانات أساس النجاح
لتحقيق التدريب الواقعي، قام الباحثون بتسجيل نشاط الدماغ لأكثر من 900 دقيقة من ثمانية فئران وهي تشاهد أفلاما حافلة بالحركة – مثل فيلم "ماد ماكس" – تُحاكي البيئة البصرية الطبيعية للفأر. وعلى الرغم من أن الفئران تملك رؤية منخفضة الدقة، فإنها تستجيب بقوة للحركة، وهو ما جعل هذه المقاطع مثالية لتفعيل النظام البصري.
هذه البيانات الضخمة سمحت للنموذج الرقمي بمحاكاة استجابات الدماغ لمحفزات بصرية جديدة – سواء كانت صورا ثابتة أو فيديوهات – بدقة مذهلة.
التنبؤ بالخصائص العصبية والتشريحية
المثير للدهشة أن التوأم الرقمي استطاع التنبؤ ليس فقط بنشاط الخلايا العصبية، بل أيضا بمواقعها التشريحية وأنواعها والروابط بينها. وقد جرى التحقق من هذه التنبؤات باستخدام صور مجهرية عالية الدقة من مشروع بحثي متقدم يُعرف باسم MICrONS، نُشرت نتائجه بالتزامن مع هذه الدراسة في مجلة Nature العلمية.
فتح الصندوق الأسود للدماغ
تكمن أهمية هذا الابتكار في أن التوأم الرقمي يتيح إجراء عدد غير محدود من التجارب العلمية على نسخة افتراضية دقيقة من الدماغ، دون الحاجة إلى تجارب حية تستغرق سنوات أو تُقيد بعدد الحيوانات.
قال البروفيسور أندرياس تولياس، المؤلف الرئيسي للدراسة:"نحن نحاول فتح الصندوق الأسود، لفهم الدماغ على مستوى الخلايا العصبية الفردية والجماعية، وكيف تتعاون لتشفير المعلومات."
اكتشافات جديدة في طريقة تنظيم الدماغ
استخدم الباحثون التوأم الرقمي لاكتشاف قاعدة تنظيمية جديدة: الخلايا العصبية تميل إلى التواصل مع خلايا تشترك معها في نفس نوع الاستجابة (مثل اللون الأزرق)، أكثر من ميلها للتواصل مع خلايا تستجيب لنفس الموقع المكاني في الصورة.
يشبه هذا الأمر اختيار الأصدقاء بناءً على الاهتمامات لا على الموقع الجغرافي، بحسب تعبير تولياس.
مستقبل النماذج الرقمية: نحو محاكاة الدماغ البشري
مع هذا الإنجاز المذهل، يخطط الباحثون لتوسيع نطاق النموذج ليشمل مناطق أخرى من الدماغ، بل وربما دماغ الكائنات ذات القدرات المعرفية الأعلى، كالرئيسيات.
قال تولياس بثقة: "أؤمن أنه سيكون من الممكن يوما ما بناء توأم رقمي لأجزاء من الدماغ البشري على الأقل. ما فعلناه الآن هو مجرد بداية، إنها فقط قمة جبل الجليد."
المصدر: SciTechDaily.com
