إِذَا مَاتَ الْعَالِمُ ثُلِمَ فِي الْإِسْلَامِ ثُلْمَةٌ لَا يَسُدُّهَا شَيْءٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
معنى وتاريخ حديث: "إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة"
مقدمة
يُعَدُّ حديث "إذا مات العالم..." من الأحاديث المشهورة بين علماء الإسلام عامة، وعند الإمامية الاثني عشرية (الشيعة) خاصة، لما يتضمنه من بيان عظمة مكانة العلماء وخطورة فقدهم على الأمة الإسلامية. هذا الحديث يُستخدم كثيرًا في رثاء العلماء وإبراز أهمية دورهم في حفظ الدين وتفسيره والدفاع عنه.
نص الحديث
ورد الحديث بصيغ متعددة قريبة في المعنى، وأشهرها:
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة."
وفي بعض الروايات، ورد بزيادة:
"أشد على الشيطان من عبادة ألف عابد."
مصادر الحديث عند الشيعة
روى الحديث عدد من أعلام الشيعة في مصادرهم المعتبرة، ومن أبرزهم:
الشيخ الصدوق (ت 381 هـ) في كتابه من لا يحضره الفقيه.
الشيخ الكليني (ت 329 هـ) في الكافي، ضمن أبواب فضل العلماء.
الشيخ الطوسي (ت 460 هـ) في الأمالي.
ابن شعبة الحراني في تحف العقول.
العلامة المجلسي (ت 1111 هـ) ذكره في بحار الأنوار.
وقد ورد أيضاً هذا المعنى في بعض الروايات عن الأئمة (عليهم السلام)، خاصة عن الإمام الصادق (عليه السلام) والإمام الباقر (عليه السلام)، مما يزيد من تواتره المعنوي.
شرح الحديث من وجهة النظر الشيعية
في العقيدة الإمامية، يُنظر إلى العلماء، خصوصًا الفقهاء الربانيين، على أنهم ورثة الأنبياء، وهم الذين يحفظون الشريعة ويفسرونها للناس. فهم يمثّلون الامتداد الطبيعي لخط الإمامة في عصر الغيبة الكبرى، حيث غاب الإمام المعصوم (عجل الله فرجه الشريف)، وترك للأمة العلماء المتمسكين بالقرآن والعترة كمرجع في أمور الدين والدنيا.
بالتالي، موت العالم يُعتبر خسارة لا تُعوَّض بسهولة، لأن العلم الإلهي الذي يحمله ويجسده العالم لا يُكتسب بسرعة ولا يُعوَّض بانتصاب أي شخص آخر مكانه، إلا بتربية طويلة وعناية إلهية.
ولهذا أكّد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على تعظيم العلماء العاملين، وبيان فضلهم في المجتمع، والتحذير من فقدانهم.
أبعاد الحديث في الفكر الشيعي
البعد الاجتماعي: غياب العلماء يؤدي إلى ضعف المجتمع دينيًا وفكريًا، مما يجعل الأمة عرضة للضلال والجهل.
البعد الديني: الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة يُعد نائبًا للإمام (عجل الله فرجه)، فموته يترك فراغًا خطيرًا في قيادة الأمة.
البعد الأخلاقي: تشجيع المجتمع على احترام العلماء والاهتمام بتنشئة الجيل الجديد من حملة العلوم الدينية.
استخدام الحديث في المناسبات
يُذكر هذا الحديث عادةً في مجالس تأبين العلماء الكبار.
يُستشهد به في كتب السير والتراجم عند الحديث عن وفاة عالم بارز.
يُستخدم لإبراز أهمية الحوزات العلمية ورعاية طلبة العلوم الدينية.
مقارنة مع مصادر أهل السنة
الحديث أيضًا مروي عند بعض علماء أهل السنة مثل:
الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.
الترمذي في سننه.
ابن ماجه في سننه.
ولكن عند الشيعة، للحديث عمق خاص مرتبط بمنظومة القيادة الدينية التي يقوم بها الفقيه العادل في غيبة الإمام المعصوم.
الخاتمة
يظهر مما سبق أن حديث "إذا مات العالم ثلم في الإسلام..." يحمل أهمية بالغة في الفكر الإسلامي الشيعي، ليس فقط لكونه نصًا نبويًا، بل لأنه يعكس فهمًا عميقًا لدور العالم الرباني في حياة الأمة، ويُبرز خطر الفراغ الديني الناتج عن غياب العلماء.
ولهذا بقي هذا الحديث حيًا في الوجدان الشيعي، يُتداول في المناسبات، ويُدرّس في كتب الأخلاق والفقه والسيرة، تحفيزًا للأمة على احترام العلم والعلماء.
