كيف يجدد الجسم نفسه باستمرار؟ ولماذا تفشل هذه العملية أحيانا؟
يجدد جسم الإنسان نفسه بشكل متواصل في عملية حيوية مذهلة لا نشعر بها ولكنها تحدث دون انقطاع، هذه العملية التي تشمل تجدد الخلايا والأنسجة، تعتبر جوهر البقاء بصحة جيدة، وتعتمد على توازن دقيق بين موت الخلايا القديمة وتكوين خلايا جديدة.
- جيش من الخلايا يعمل على مدار الساعة
في داخل كل جسم بشري، يعمل جيش مكوَّن من أكثر من 30 تريليون خلية على صيانة الأعضاء وتجديد الأنسجة. ويقدّر العلماء أن جسم الرجل يحتوي على نحو 36 تريليون خلية، بينما تمتلك المرأة حوالي 30 تريليون خلية، ملايين من هذه الخلايا تموت وتُستبدل يوميا ضمن دورة مستمرة من الحياة والتجدد.
- كيف تتجدد الخلايا في أعضاء الجسم؟
لكل نوع من الخلايا دورة تجدد خاصة به:
خلايا الدم الحمراء تتجدد كل 120 يوما في نخاع العظم.
الجلد (البشرة) يتجدد كل 4 أسابيع حيث تتصاعد خلايا جديدة لتشكيل حاجز واقٍ.
الخلايا المبطنة للمعدة والأمعاء تتجدد خلال أقل من أسبوع نتيجة التعرض المستمر للأحماض والطعام.
العظام، رغم صلابتها، يعاد تشكيلها بالكامل تقريبًا كل 10 سنوات.
الكبد، وهو العضو المسؤول عن إزالة السموم، ينتج خلايا جديدة كل 150 إلى 500 يوم، ويمكنه بدء التجدد خلال أسابيع قليلة بعد التوقف عن شرب الكحول.
- كيف يعرف الجسم متى يجب أن يتجدد؟
يوضح البروفيسور سوميت بال سينغ، رئيس مختبر سينغ في المعهد الهندي للتكنولوجيا، أن عملية التجدد لا تتم بعشوائية، بل تبدأ عندما ترصد الأنسجة إصابة أو ضررا معينا، وتعمل إشارات مثل الالتهاب أو التلف الخلوي على تحفيز الجسم للسير في أحد مسارين:
1. إنتاج خلايا جديدة (التجدد)
2. تكوين نسيج ندبي (التندب)
ويرى سينغ أن التندب يُعد عائقا أمام الشفاء الكامل، لأنه لا يقتصر على ملء الفراغ الناتج عن فقدان الأنسجة، بل يعرقل أيضا عملية التواصل الخلوي الحيوي لتنظيم الإصلاح.
- لماذا ينجح التجدد في بعض الأعضاء أكثر من غيرها؟
ليست جميع الأنسجة متساوية في قدرتها على التجدد. فمثلا:
الجلد والكبد يتمتعان بقدرة عالية على التجدد.
القلب والجهاز العصبي المركزي يظهران قدرة محدودة على التعافي، ويميلان إلى تكوين ندوب بدلاً من استعادة وظائفهما الطبيعية.
يرجع هذا التباين إلى توازن تطوري بين سرعة الترميم والحفاظ على الوظيفة الكاملة، حيث تفضّل بعض الأعضاء تجنب تكاثر الخلايا المفرط الذي قد يؤدي إلى الأورام، على حساب التجدد السريع.
- دور العوامل البيئية والوراثية في التجدد
تؤثر العوامل البيئية والوراثية بشكل كبير على كفاءة التجدد:
الكحول يضعف الكبد ويزيد خطر التليف.
العمر يؤثر بوضوح، حيث يتعافى الشباب أسرع من كبار السن.
الوراثة تلعب دورا حاسما، فبعض الأشخاص يرثون جينات تسرّع الشفاء، بينما تعيقه طفرات جينية لدى آخرين.
الأمراض المزمنة مثل السكري، وسوء التغذية، والتعرض للتلوث تقلل من قدرة الجسم على الإصلاح.
- كيف يمكن تعزيز قدرة الجسم على التجدد؟
يشير سينغ إلى مجموعة من العوامل التي يمكن أن تحسن مناعة الجسم وتدعّم عملية التجدد:
النوم الجيد
التغذية السليمة
المزاج الإيجابي
التمارين الرياضية المنتظمة، والتي لا تقتصر فوائدها على العضلات، بل تحفز أيضا تجدد خلايا الكبد والدماغ.
تقييد السعرات الحرارية، الذي أظهرت الدراسات الحيوانية أنه يطيل العمر عبر تقليل الضغط الأيضي.
- الخلايا المناعية ودورها في التجدد
تلعب الخلايا المناعية دورا مركزيا في إصلاح الأنسجة. ولذلك، يعمل العلماء حاليا على إعادة برمجة هذه الخلايا لتتعرف على التشوهات مبكرا وتقوم بإصلاحها قبل أن تتفاقم، مما يفتح آفاقا واعدة في مجالات الطب التجديدي.
- لماذا تفشل عملية التجدد أحيانًا رغم قدرتها المذهلة؟
بحسب سينغ، يعود فشل التجدد إلى اختلال التوازن بين الضرر والتعافي، فعندما يكون معدل التلف أسرع من قدرة الجسم على إصلاحه، تظهر الندوب وتقل كفاءة الأنسجة. وتُعد العوامل التالية من الأسباب الرئيسية لهذا الفشل:
قصر التيلوميرات (نهايات الكروموسومات)
تراكم الطفرات الجينية
- استنزاف الخلايا الجذعية مع التقدم في العمر
يمتلك جسم الإنسان قدرة مذهلة على تجديد خلاياه وأنسجته، لكنها عملية معقدة تخضع لتوازنات دقيقة. ويمكننا دعم هذه القدرة من خلال تحسين نمط حياتنا، والحفاظ على صحتنا الجسدية والنفسية، وفي الوقت ذاته، فإن فهم آليات الفشل في التجدد يمكّن الأطباء والباحثين من تطوير استراتيجيات جديدة لمحاربة الأمراض المزمنة وتحقيق الشفاء الكامل.
المصدر: Interesting Engineering
