علاج مناعي جديد يزيل أضرار الكوليسترول داخل خلايا القلب ويُعيد نشاطها الحيوي

تمكن فريق دولي من الباحثين من الكشف عن آلية غير معروفة سابقًا يتمكن فيها الكوليسترول من التسلل إلى ميتوكوندريا خلايا القلب — وهي بمثابة محطات الطاقة داخل الخلية — مما يؤدي إلى خلل في إنتاج الطاقة الحيوية اللازمة لانقباض القلب، ليس ذلك فحسب بل نجح الفريق في تطوير علاج مناعي تجريبي باستخدام أجسام مضادة يعكس هذا التلف الخلوي، مما يفتح آفاقا واعدة في علاج أمراض القلب الناتجة عن اضطرابات الدهون.
- قلب الإنسان: عضو لا يتسامح مع فقر الطاقة
القلب هو أكثر أعضاء الجسم اعتمادا على الطاقة، ويعتمد على الميتوكوندريا لتوفير الوقود اللازم لانقباض عضلته باستمرار. وتُشكل الميتوكوندريا نحو ثلث حجم خلايا القلب العضلية (Cardiomyocytes)، حيث تقوم بتحويل المغذيات إلى طاقة عبر عملية "الفسفرة التأكسدية" (Oxidative Phosphorylation). وقد أظهرت الدراسات السابقة أن أمراض التمثيل الغذائي مثل السمنة والسكري تؤدي إلى تراجع تدريجي في كفاءة الميتوكوندريا، مما يُفاقم من فشل القلب.
- الكوليسترول يدخل الميتوكوندريا ويعطّل سلاسل التنفس الخلوية
لأول مرة، يوضح الباحثون كيف أن الكوليسترول الإستيري — المحمول عبر البروتينات الدهنية — يستطيع دخول خلايا القلب والتراكم داخل الميتوكوندريا، مما يؤدي إلى تشوه في البنية الميتوكوندرية وتعطيل سلسلة التنفس الخلوي وتقليل إنتاج جزيئات الطاقة (ATP). وقد تبين أن المستقبل LRP1 هو المسؤول الرئيس عن نقل هذا الكوليسترول إلى داخل الخلية، خاصة في حالات "السمية الدهنية" المرتبطة بارتفاع الدهون.
- العلاج المناعي الموجه: استهداف مباشر لمستقبل LRP1
استجابة لهذا التحدي، طوّر الفريق علاجًا تجريبيًا باستخدام أجسام مضادة أحادية النسيلة تستهدف بشكل دقيق المجال P3 من مستقبل LRP1، مما يمنع دخوله للكوليسترول إلى ميتوكوندريا خلايا القلب. وقد أظهر العلاج نجاحا في نموذج حيواني (أرنب) يتمتع ببروفايل دهني شبيه بالبشر، حيث أدى إلى تقليل كبير في كمية الكوليسترول داخل الميتوكوندريا وتحسّن ملحوظ في بنيتها وكفاءتها الحيوية.
- تقنيات متعددة وتعاون دولي يكشف آلية خفية
استندت الدراسة إلى استخدام تقنيات عالية الدقة شملت التحليل الطيفي الكتلي (جامعة تولوز)، الفحص المجهري الإلكتروني والمجهر الليزري (IR Sant Pau وجامعة برشلونة)، إضافة إلى استخدام حيوانات تجريبية أظهرت ظروفًا مماثلة للديسليبيديميا البشرية، وسمح تحليل الأجزاء الخلوية واختبارات التنفس الخلوي بقياس تأثير تراكم الكوليسترول بدقة غير مسبوقة.
- نتائج واعدة: استعادة الشكل الوظيفي للميتوكوندريا وتحسين التمثيل الغذائي
أدى العلاج التجريبي إلى استعادة واضحة لهندسة الميتوكوندريا، بما في ذلك إعادة تشكّل "الكريستا" — الهياكل الداخلية التي تُعد محورية في عملية التنفس الخلوي — كما عاد إنتاج الطاقة إلى مستوياته الطبيعية. لوحظ أيضًا تحسّن في تفاعل الميتوكوندريا مع قطرات الدهون السيتوبلازمية، مما يشير إلى إعادة تنظيم فعالة للوظائف الخلوية.
- نحو مستقبل جديد في علاج أمراض القلب المرتبطة بالكوليسترول
وفقا للدكتورة فيثينتا يورينتي-كورتيز، الباحثة في المجلس الإسباني الوطني للبحوث (CSIC) وقائدة الفريق: "للمرة الأولى، نحن لا نعالج القلب من الخارج عبر خفض الكوليسترول في الدم، بل نحميه من الداخل، من داخل الميتوكوندريا نفسها". وتشير إلى أن هذا النهج قد يساهم مستقبلا في علاج حالات مثل السمنة ونقص التروية القلبية والفرط الكوليسترولي المزمن.
- سد فجوة علاجية لم تُلبَّ بعد
تُعد أمراض القلب مسؤولة عن ثلث الوفيات عالميا، ورغم نجاح العلاجات الحالية في ضبط عوامل الخطر التقليدية، لا توجد حتى الآن إستراتيجية فعالة لمعالجة التلف الأيضي داخل خلايا القلب، لا سيما الميتوكوندريا، وتُقدم هذه الدراسة توجها ثوريا يستهدف منشأ الضرر نفسه ويُعيد النشاط الحيوي للخلايا القلبية، مما يُمهّد لتطوير علاجات مستقبلية دقيقة وفعالة.

المصدر:   Sant Pau Research Institute