هل وُجد الضوء منذ بداية الكون؟ رحلة الضوء بعد الانفجار العظيم
رغم أن الليل اليوم يتخلله ضوء النجوم، فإن المشهد الكوني لم يكن كذلك دائما، فبعد لحظة الانفجار العظيم، لم يكن الكون مضاءً كما قد نتخيل، ورغم أنّ الضوء وُجد منذ اللحظات الأولى، إلا أنّه لم يتمكّن من التحرك بحرية عبر الكون.
الجواب المختصر على السؤال "هل وُجد الضوء في بداية الكون؟" هو: لا.د، لكن القصة المفصلة تكشف عن رحلة مذهلة لفوتونات الضوء، استغرقت مئات الآلاف من السنين قبل أن تُطلق في الفضاء الكوني.
- توسّع الكون: بداية من نقطة متناهية في الكثافة
في عام 1929، اكتشف عالم الفلك إدوين هابل أن المجرات تبتعد عن بعضها البعض، مما يشير إلى أن الكون في حالة توسّع، هذا الاكتشاف قاد العلماء إلى فكرة أن الكون كان، منذ حوالي 13.8 مليار سنة، مركزا في نقطة صغيرة للغاية ذات كثافة غير نهائية، قبل أن يحدث الانفجار العظيم.
ومع الانفجار العظيم، تشكّل الزمان والمكان وكل ما نعرفه من مادة وطاقة، وكما أوضح الفيزيائي أندرو ليدن من جامعة بولينغ غرين، لم يكن بالإمكان أن تتواجد كل مادة الكون في حيز صغير كهذا إلا إن كانت طاقة، وهذا يتوافق مع معادلة أينشتاين الشهيرة: E = mc²، التي تشير إلى إمكانية تحويل الكتلة إلى طاقة والعكس.
- ولادة الجسيمات والضوء المحاصر
في الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، بدأت الجسيمات الأولية في التشكّل، مثل الفوتونات (التي تكوّن الضوء)، والبروتونات، والنيوترونات، والإلكترونات، وبعد حوالي ثلاث دقائق، بدأت هذه البروتونات والنيوترونات بالاندماج لتشكيل نوى ذرات مثل الهيليوم.
لكن رغم وجود الفوتونات منذ البداية، فإنها لم تكن قادرة على السفر بحرية في الفضاء الكوني، فقد كان الكون حينها ساخنًا وكثيفًا إلى درجة أن الإلكترونات كانت تتحرك بسرعة عالية، مانعةً النوى الذرية من جذبها لتكوين ذرات. هذا يعني أن الفضاء الكوني كان مليئا بجسيمات حرة تصطدم باستمرار بأشعة الضوء، مما أدى إلى حبس الفوتونات وعدم قدرتها على التحرك لمسافات بعيدة.
ليدن شبّه الأمر بالضباب: كما أن الماء في الضباب منتشر ولا يسمح برؤية واضحة، كانت الجسيمات الحرة تمنع الضوء من المرور.
- الانعتاق العظيم: متى انطلق الضوء في الكون؟
حوالي 380,000 سنة بعد الانفجار العظيم، برد الكون بدرجة كافية – حوالي 3,000 كلفن – لتتمكن النوى من جذب الإلكترونات وتشكيل الذرات. هذا الحدث المفصلي يُعرف بـ إعادة الاندماج، حيث أصبحت الإلكترونات مرتبطة بالنوى، وتحول الكون من "حساء ساخن" إلى بيئة شفافة يمكن للضوء أن ينتقل فيها بحرية.
في تلك اللحظة، انطلقت أولى فوتونات الضوء بشكل حر، وهي ما يُعرف اليوم بـ الأشعة الكونية الخلفية الميكروية. كان هذا الضوء في البداية ضمن نطاق الأشعة تحت الحمراء والمرئية، لكنه تمدّد مع توسّع الكون، وتحول إلى أطوال موجية ميكروية يمكن رصدها اليوم.
- الضوء الباقي حتى اليوم: الأشعة الكونية الخلفية
في عام 1964، رصد العلماء هذه الأشعة لأول مرة، وكانت دليلاً حيًا على الانفجار العظيم، هذا الإشعاع المتبقي يملأ الكون ويبلغ متوسط حرارته حوالي 2.73 كلفن، أي ما يعادل -270 درجة مئوية. دراسة هذه الأشعة أعطت العلماء رؤى ثاقبة حول بنية الكون ومحتوياته، وسمحت بتحليل تأثير العدسات الجاذبية – وهي ظاهرة انحناء الضوء بسبب جاذبية المجرات.
- فجر جديد: من الظلام إلى ولادة النجوم
رغم انطلاق الضوء، لم يكن الكون مليئا بالنجوم بعد، فقد مرّ بمرحلة تُعرف باسم العصور المظلمة الكونية، حيث لم تكن هناك مصادر ضوء جديدة بعد. لكن بمرور الوقت، تجمعت غيوم الغاز تحت تأثير الجاذبية، وانهارت على نفسها، مما أدّى إلى تشكّل أولى النجوم.
حوالي مليار سنة بعد الانفجار العظيم، بدأت النجوم والمجرات بالتكوّن، معلنةً بداية ما يُعرف بـ الفجر الكوني، وهو العصر الذي أضاء فيه الكون تدريجيا بضوء النجوم الوليدة.
لم يكن الكون مضاءً منذ لحظاته الأولى، رغم وجود الفوتونات فيه، بل استغرق الأمر مئات الآلاف من السنين حتى يتمكن الضوء من الانطلاق بحرية، ثم ملايين السنين أخرى حتى تضيء النجوم السماء. إن دراسة الضوء الكوني تُعد واحدة من أروع إنجازات الفيزياء الفلكية، إذ تخبرنا عن بدايات كل شيء نعرفه، بل وتمنحنا لمحة عن مصير الكون نفسه.
المصدر: LiveScience
