أفضل طريقة لتعزيز الذاكرة: مراجعة آلاف الدراسات تكشف السر
يلجأ الكثير من الناس إلى ألعاب مثل "سودوكو" و"ووردل" أو تطبيقات تدريب الدماغ لتحفيز عقولهم، لكن تشير الأبحاث الحديثة بشكل متزايد إلى أن من أفضل الطرق لتعزيز الذاكرة والتركيز وصحة الدماغ بشكل عام هو ممارسة التمارين الرياضية.
ففي دراسة حديثة، استعرض باحثون بيانات لأكثر من 250 ألف مشارك عبر 2700 دراسة علمية، واكتشفوا أن التمارين الرياضية، سواء كانت المشي أو ركوب الدراجة أو اليوغا أو الرقص أو حتى ألعاب الفيديو الحركية مثل Pokémon GO، تُحسن بشكل ملحوظ من أداء الدماغ ووظائفه.
ما يقوله العلم: ثلاثة مجالات يتحسن فيها الدماغ
أظهرت هذه المراجعة الشاملة أن النشاط البدني المنتظم يُحسن ثلاث وظائف أساسية في الدماغ:
1. الإدراك المعرفي: القدرة العامة على التفكير الواضح والتعلم واتخاذ القرارات.
2. الذاكرة: وخصوصًا الذاكرة قصيرة المدى والقدرة على تذكر التجارب الشخصية.
3. الوظائف التنفيذية: مثل التركيز، التخطيط، حل المشكلات، وإدارة العواطف.
وتضمنت الدراسات الأصلية اختبارات مختلفة لوظائف الدماغ، مثل تذكر قوائم كلمات، حل الألغاز، والتنقل بين المهام بسرعة، وبينت النتائج أن التمارين تؤدي إلى تحسن متوسط لكنه ملحوظ في الإدراك المعرفي، وتحسن أصغر بقليل لكنه مهم في الذاكرة والوظائف التنفيذية.
فوائد لكل الأعمار وتحسن ملحوظ خلال أسابيع
ظهرت التحسينات في جميع الفئات العمرية، لكن الأطفال والمراهقين حققوا مكاسب كبيرة في مجال الذاكرة، كما أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) سجلوا تحسنا أكبر في وظائف الدماغ بعد التمارين مقارنة بغيرهم.
والأهم من ذلك، أن النتائج الإيجابية بدأت بالظهور بعد 12 أسبوعا فقط من بدء ممارسة التمارين بانتظام. وكانت أعظم الفوائد بين من مارسوا ما لا يقل عن 30 دقيقة من التمارين في معظم أيام الأسبوع، أي بمعدل 150 دقيقة أسبوعيا.
كيف تؤثر التمارين على الدماغ؟
الأنشطة مثل المشي أو ركوب الدراجة تزيد من حجم الحُصين (hippocampus)، وهو الجزء المسؤول عن الذاكرة والتعلم، ففي دراسة أُجريت على كبار السن، أدى عام من التمارين الهوائية إلى زيادة حجم الحُصين بنسبة 2%، وهو ما يعادل عكس تأثير التقدم في العمر من سنة إلى سنتين على الدماغ.
أما التمارين المكثفة مثل الجري أو تمارين الـ"HIIT"، فهي تعزز من المرونة العصبية، أي قدرة الدماغ على التكيف وإعادة هيكلة نفسه، مما يُحسن سرعة التعلم، وصفاء الذهن، والحفاظ على الحدة الذهنية مع التقدم في العمر.
لماذا يجب أن نتحرك أكثر؟
مع التقدم السريع في أعمار سكان العالم، حيث من المتوقع أن يكون واحد من كل ستة أشخاص فوق سن الـ60 بحلول عام 2030، تزداد مخاطر الإصابة بالخرف ومرض ألزهايمر والتدهور المعرفي.
وفي المقابل، فإن ثلث البالغين لا يحققون الحد الأدنى الموصى به من النشاط البدني. ويُنصح البالغون بممارسة 150 دقيقة من التمارين المعتدلة أسبوعيا، مثل المشي السريع، أو 75 دقيقة من التمارين الشديدة، مثل الجري. ويُفضل كذلك دمج تمارين تقوية العضلات، مثل رفع الأوزان، مرتين أسبوعيا.
الحركة اليومية تحدث فرقا كبيرا
لا يتوجب عليك خوض ماراثون أو رفع أوزان ثقيلة لتستفيد. أظهرت الدراسة أن الأنشطة منخفضة الكثافة مثل اليوغا، التاي تشي، أو حتى ألعاب الفيديو الحركية، قد تكون فعّالة بنفس القدر، بل وأحيانا أكثر.
تتطلب مثل هذه الأنشطة التركيز، والتنسيق، وحفظ التسلسل الحركي، مما يُنشط الدماغ. كما تتضمن بعض الألعاب التفاعلية اتخاذ قرارات فورية، واستجابات سريعة، ما يعزز الذاكرة والانتباه.
والأجمل من ذلك، أن هذه الأنشطة متاحة للجميع، ويمكن ممارستها في المنزل، أو في الخارج، أو حتى مع الأصدقاء، ما يجعلها مناسبة لجميع مستويات اللياقة البدنية، وحتى لمن يعانون من صعوبات في الحركة.
أمثلة واقعية وتطبيقات حياتية
إذا كنت جدا أو جدة، فجرّب لعب التنس أو البولينغ الافتراضي مع أحفادك على أجهزة مثل Wii Sports.
إذا كنت مراهقا وتعاني من صعوبات في التركيز، فجرّب دروس الرقص، فقد تُحسن من أدائك الدراسي.
وإذا كنت والدا مشغولا، فقد يساعدك فيديو يوغا مدته 20 دقيقة بين الاجتماعات على استعادة صفاء ذهنك.
في كل هذه الحالات، أنت لا تحرك جسدك فقط، بل تنشّط دماغك أيضًا. وعلى عكس مكملات الدماغ أو التطبيقات الذهنية، فإن التمارين الرياضية تقدم فوائد شاملة، منها تحسين النوم والصحة النفسية.
دور المدارس وأماكن العمل
بدأت المدارس وأماكن العمل بالاهتمام بجدية بأهمية التمارين الذهنية، فتم إدخال فترات حركة قصيرة خلال ساعات العمل لتحسين التركيز، كما لاحظت بعض المدارس أن دمج الأنشطة البدنية في الفصول الدراسية أدى إلى تحسن في تركيز الطلاب وأدائهم الأكاديمي.
خلاصة: التمرين دواء للدماغ لا يُكلف شيئا
التمارين الرياضية هي أداة قوية ومجانية لتعزيز صحة الدماغ. وهي متاحة للجميع، في كل الأعمار، وفي أي وقت. والأفضل من ذلك، أنه لم يفت الأوان أبدا للبدء.
المصدر: Sciencealert
