ميسو ياباني مصنوع في محطة الفضاء الدولية بطعم مختلف
في إنجاز فريد يمزج بين العلم والثقافة والطهي، نجح باحثون في تخمير ميسو — وهو بهار ياباني تقليدي مصنوع من فول الصويا المخمر — على متن محطة الفضاء الدولية (ISS)، وهو ما أظهر أن الميكروبات يمكن أن تنمو وتنتج نكهات مميزة حتى في بيئة الفضاء الفريدة، نُشرت نتائج هذه التجربة في مجلة iScience التابعة لمؤسسة Cell Press في 2 أبريل 2025، ما يشير إلى احتمالات مستقبلية واعدة لتحسين جودة حياة رواد الفضاء خلال الرحلات الطويلة.
بيئة الفضاء وتحديات التخمير
يشير الباحث الرئيسي المشارك، جوشوا دي. إيفانز من جامعة الدنمارك التقنية، إلى أن هناك خصائص مميزة لبيئة المدار الأرضي المنخفض، مثل انعدام الجاذبية وزيادة الإشعاع، قد تؤثر في نمو الميكروبات ونشاطها الأيضي، وبالتالي على كيفية سير عمليات التخمير وأضاف:
"أردنا استكشاف تأثير هذه الظروف على تخمير الطعام."
الإعداد لتخمير الميسو في المدار
بدافع الفضول العلمي لفهم ما يأكله رواد الفضاء وكيف تتصرف المجتمعات الميكروبية في الفضاء، أرسل الباحثون حاوية صغيرة تحتوي على "ميسو قيد التخمير" إلى محطة الفضاء الدولية في مارس 2020، بقيت العينة هناك لمدة 30 يوما، ثم أعيدت إلى الأرض كميسو مكتمل التخمير.
ولتقييم التجربة، تم تخمير دفعتين إضافيتين من الميسو على الأرض، إحداهما في كامبريدج، ماساتشوستس، والأخرى في كوبنهاغن، الدنمارك. استخدمت صناديق مراقبة بيئية لمتابعة متغيرات مثل درجة الحرارة، والرطوبة، والضغط، والإشعاع.
المذاق الفضائي: خصائص حسية ونكهات مميزة
عند عودة الميسو الفضائي إلى الأرض، قام الباحثون بتحليل تركيبة الميكروبات فيه، إلى جانب المركبات النكهية والخصائص الحسية، وأكدت النتائج أن عملية التخمير تمت بنجاح، رغم وجود اختلافات ملحوظة في المجتمعات البكتيرية بين عينات الميسو الفضائي والميسو الأرضي.
وأشارت ماغي كوبلينتز من معهد ماساتشوستس للتقنية، المؤلفة المشاركة في الدراسة، إلى أن:
"تخمير الميسو في الفضاء يُظهر كيف يمكن للأنظمة الحية، على المستوى الميكروبي، أن تزدهر من خلال تنوعها، مما يؤكد على إمكانية وجود الحياة خارج كوكب الأرض."
وأضافت أن هذه النتائج تطرح تساؤلات أخلاقية مهمة حول أخذ النباتات والميكروبات من موطنها الأصلي ونقلها إلى بيئات فضائية.
التحليل الحسي والمقارنة بين النكهات
قارن الباحثون نكهة الميسو الفضائي مع الميسو المخمّر على الأرض، ووجدوا أن جميع العينات احتوت على مركبات عطرية متشابهة وبروفايلات أحماض أمينية متقاربة، وقد أجمع المتذوقون على أن جميع العينات كانت لذيذة، مع طعم "أومامي" مميز ومالح. ومع ذلك، كان الميسو الفضائي يتميز بطعم أكثر "تحميصًا" و"جوزيًا" مقارنة بالعينات الأرضية.
علوم وتكنولوجيا وطعام: تكامل فريد من نوعه
قال إيفانز:
"من خلال دمج علم الميكروبات، وكيمياء النكهات، والعلوم الحسية، والأبعاد الثقافية والاجتماعية، تفتح دراستنا آفاقا جديدة لفهم كيفية تغير الحياة عند انتقالها إلى بيئات جديدة مثل الفضاء."
وأشار إلى أن هذه التجربة لا تعزز رفاهية رواد الفضاء فحسب، بل يمكن أن تساهم في تنوع التعبيرات الثقافية والغذائية خلال استكشاف الفضاء مستقبلًا.
ما هو أبعد من وعاء الميسو: أسئلة اجتماعية أوسع
أوضحت كوبلينتز أن تأثير هذا البحث يتجاوز مجرد إنتاج ميسو في الفضاء، فقد استخدم الفريق "الطعام" كنقطة انطلاق لمناقشة البنية الاجتماعية في الفضاء وقيمة الأدوار المنزلية في ميادين العلوم والهندسة.
وأضافت:
"الطريقة التي نُصمم بها الأنظمة الفضائية تحمل رسالة قوية حول من ينتمي إلى هناك، ومن يُدعى، وكيف ستكون تجربته في الفضاء.
هذه التجربة تمثل مثالا فريدا على تفاعل الحياة الدقيقة، والثقافة، والتكنولوجيا، في أكثر الأماكن تحديا للبشرية: الفضاء. ومن خلال وعاء صغير من الميسو، تُطرح أسئلة كبرى حول مستقبل الإنسان في الكون.
المصدر: SciTechDaily.com
