الهجرة العظيمة لأشجار المانغروف: كيف تعيد المياه الدافئة تشكيل الساحل الشرقي
تتجه أشجار المانغروف شمالا، حيث رصد العلماء وجودها في ولاية جورجيا لأول مرة، بفضل ارتفاع درجات حرارة المناخ والتيارات المحيطية، تتجذر هذه الأشجار الاستوائية في أماكن لم تكن متوقعة من قبل.
فكما أذهلت هذه الأشجار المستكشف جون موير في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة، يجمع الباحثون اليوم بين المسوحات الميدانية وبيانات الأقمار الصناعية لتتبع انتشار أشجار المانغروف الأحمر والأسود بعيدا عن نطاقها المعتاد. بفضل الشتاء الأقل برودة والتيارات المواتية، تتوسع هذه النباتات الساحلية القوية في جورجيا وما بعدها، مما قد يعيد تشكيل النظم البيئية ويعزز دفاعات السواحل ويغير خريطة الأراضي الرطبة في أمريكا.
رحلة جون موير النباتية: إلهام من الماضي
قبل أن يُعرف جون موير بـ"رجل الجبال" بسبب استكشافه لسييرا نيفادا في كاليفورنيا، قام هذا الطبيعي برحلة استكشافية في الأراضي المنخفضة والمستنقعات في الجنوب الشرقي للولايات المتحدة، وبينما كان يتجه جنوبا نحو فلوريدا، كان متحمسًا لاكتشاف "الموطن الخاص بالنباتات الاستوائية" التي كان يبحث عنها، بما في ذلك ما وصفه بـ"مجموعات من أشجار المانغروف".
اليوم، يسير العلماء على خطى موير بدراسة هذه النظم البيئية عن قرب في البيئات الموحلة، لكنهم يعتمدون أيضا على التكنولوجيا الحديثة مثل الأقمار الصناعية التي توفر رؤية شاملة ودقيقة للموائل الساحلية، باستخدام هذه الأدوات، اكتشف الباحثون مؤخرًا وجود أشجار مانغروف في مناطق جديدة على طول الساحل الشرقي، مما يدل على أن نطاق انتشارها يتوسع بسرعة أكبر مما كان متوقعا.
اكتشافات مفاجئة في مستنقعات جورجيا
خلال مسح أجري عام 2024 قرب الحدود بين فلوريدا وجورجيا، عثر فريق بحثي على أشجار المانغروف الأحمر (Rhizophora mangle) والأسود (Avicennia germinans) تنمو على بعد 50 ميلاً (80 كيلومترا) و14 ميلاً (23 كيلومترا) شمال نطاقها المعروف سابقا ووفقا لتقرير صدر في مارس 2025، يُعتقد أن هذه الاكتشافات تمثل أول سجل لوجود أشجار مانغروف طبيعية في جورجيا.
تم تحديد مواقع هذه الأشجار باستخدام صور من القمر الصناعي لاندسات 9، حيث وجدت في مستنقعات ملحية عند مصب نهر سانت ماري. ورغم أن الأشجار الصغيرة لا تظهر في الصور بسبب دقتها المحدودة، فإن بيانات الأقمار الصناعية تظل أداة حيوية لرصد تحول المستنقعات إلى غابات مانغروف على نطاق واسع.
الشتاء الدافئ: وقود التوسع شمالا
تشير الدراسات إلى أن انخفاض موجات البرد القاسية وارتفاع درجات الحرارة في الشتاء يساهمان في بقاء هذه الأشجار وتوسعها، كما أن جغرافية الساحل الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة وطريقة تكاثر المانغروف تعملان معًا لصالح هذا الانتشار.
توضح تشيريل دوتي، الباحثة في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لناسا وجامعة ماريلاند، أن هذه الأشجار تنتج بذورًا متخصصة تسمى "البروباغول" (propagules)، والتي يمكن أن تحملها التيارات والمد إلى مناطق جديدة. وتقول: "إذا حالفها الحظ واستقرت في الظروف المناسبة، فقد تتجذر وتنمو".
ملاذات آمنة لتوسع المانغروف
يتدفق تيار الخليج شمالا على طول الساحل الجنوبي الشرقي دون عوائق جغرافية تذكر، مما يسمح لبذور المانغروف بالانتشار بسهولة. كما أن المد يمكن أن يحملها إلى مصبات الأنهار، حيث قد تستقر في المستنقعات الملحية. وتضيف دوتي: "هذه المصبات تشبه الملاذات الآمنة من القوى المحيطية".
عوامل أخرى مثل ارتفاع منسوب مياه البحر والعواصف قد تدفع بذور المانغروف إلى ارتفاعات أعلى في المستنقعات، مما يزيد من فرص بقائها، ويمكن النظر إلى هذه الديناميكيات على أنها مزيج من ضغوط طويلة الأجل مثل الاحتباس الحراري وارتفاع مستوى سطح البحر، واضطرابات قصيرة الأجل مثل الأعاصير.
الأقمار الصناعية تؤكد الاتجاه
رغم أن دوتي لم تشارك في التقرير الصادر في مارس 2025، فقد لاحظت هي وفريقها توسع المانغروف في الجنوب الشرقي باستخدام بيانات من أقمار ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية والأقمار التجارية، وفي دراسة عام 2024، اكتشفوا أكثر من 240 هكتارًا (590 فدانا) من أشجار المانغروف غير المسجلة سابقا على ساحل شمال شرق فلوريدا.
يؤكد الباحثون أن تتبع هذه التحولات في الموائل أمر بالغ الأهمية، نظرًا للتغيرات المصاحبة في خدمات النظم البيئية مثل تخزين الكربون وحماية السواحل. كما أن الجمع بين المسوحات الميدانية وبيانات الأقمار الصناعية سيبقى أداة أساسية لفهم التحولات طويلة الأجل في نطاق المانغروف.
وتختتم دوتي بالقول: "البيانات القمرية المتسقة والموثوقة والمتاحة تجعل مراقبة التغيرات السريعة على سطح الأرض ممكنة".
المصدر: SciTechDaily.com
