اضطراب الوسواس القهري: فهم علمي شامل لأسبابه وأعراضه وطرق علاجه الحديثة

اضطراب الوسواس القهري (Obsessive-Compulsive Disorder) هو حالة نفسية مزمنة تتسم بوجود أفكار أو اندفاعات متكررة ومزعجة تُعرف بـ"الوساوس"، تتبعها سلوكيات قهرية متكررة يؤديها الشخص لتخفيف القلق أو الانزعاج الناتج عن هذه الوساوس.
هذا الاضطراب لا يُعد مجرد ميل إلى النظام أو النظافة، بل هو حالة مرهقة ومُعيقة قد تؤثر سلبًا على جودة الحياة، وتحتاج غالبا إلى علاج متخصص.
- الفرق بين الوساوس والسلوكيات القهرية
الوساوس (Obsessions): أفكار أو خيالات متكررة ولا يمكن السيطرة عليها، تسبب قلقا شديدا، مثل:
الخوف من التلوث
الشك المستمر (مثلاً: هل أغلقت الباب؟)
أفكار دينية أو عدوانية مزعجة
السلوكيات القهرية (Compulsions): أفعال متكررة يؤديها الشخص لتقليل التوتر الناتج عن الوساوس، مثل:
غسل اليدين بشكل مفرط
التأكد من إغلاق الأجهزة بشكل متكرر
العد أو الترتيب حسب نمط معين
- الأسباب البيولوجية والنفسية للوسواس القهري
يُعد الوسواس القهري اضطرابا متعدد العوامل، وأبرز مسبباته تشمل:
العوامل العصبية:
خلل في نواقل كيميائية كالسيروتونين والدوبامين.
فرط النشاط في بعض مناطق الدماغ، خاصة الجزء الأمامي من القشرة الجبهية والغانغليا القاعدية.
العوامل الوراثية:
وجود تاريخ عائلي يزيد من احتمالية الإصابة.
العوامل البيئية:
تجارب الطفولة الصادمة.
الضغوط المزمنة.
التهابات نادرة في الطفولة قد تحفز الوسواس (كما في حالات PANDAS المرتبطة بعدوى العقديات).
- أنواع اضطراب الوسواس القهري
يمكن تصنيف الوسواس القهري إلى عدة أنماط سريرية، منها:
1. وسواس التلوث والنظافة: خوف مفرط من الجراثيم يؤدي إلى الغسل المتكرر.
2. وسواس التحقق: قلق دائم بشأن أفعال معينة، مثل قفل الباب أو إطفاء الفرن.
3. وسواس التماثل والترتيب: الحاجة إلى التناسق المفرط أو ترتيب الأشياء بطريقة محددة.
4. وسواس الأفكار المحرمة أو العدوانية: كأفكار دينية أو جنسية مزعجة.
5. وسواس الاكتناز: صعوبة في التخلص من الأشياء غير الضرورية.
- طرق علاج الوسواس القهري
1- العلاج المعرفي السلوكي (CBT)
يُعتبر العلاج المعرفي السلوكي، وخاصة تقنية التعرض ومنع الاستجابة (ERP)، من أنجح طرق العلاج، إذ يتعلّم المريض كيف يواجه الوساوس دون اللجوء للسلوكيات القهرية.
2. العلاج الدوائي
تشمل الأدوية المستخدمة:
مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، مثل:
فلوكسيتين (Prozac)
سيرترالين (Zoloft)
فلوفوكسامين (Luvox)
في الحالات المقاومة: يُضاف دواء مضاد للذهان مثل أريبيبرازول أو ريسبيريدون.
3. العلاجات البيولوجية الحديثة
التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS): فعال في بعض الحالات المستعصية.
التحفيز العميق للدماغ (DBS): يُستخدم في الحالات الشديدة التي لم تستجب لأي علاج آخر.
العلاج الجيني والدقيق: قيد الدراسة حاليًا في مراكز بحثية متقدمة.
_ متى يجب طلب المساعدة الطبية؟
يجب استشارة أخصائي نفسي أو طبيب نفسي إذا:
بدأت الوساوس أو الأفعال القهرية تؤثر على الدراسة، العمل، أو العلاقات الاجتماعية.
استغرقت الأعراض أكثر من ساعة يوميا.
كانت الأعراض مسبوقة بنوبات اكتئاب أو قلق شديد.
- تشخيص الوسواس القهري
يعتمد التشخيص على مقابلة سريرية تتضمن معايير DSM-5 التي تشمل:
وجود وساوس و/أو أفعال قهرية.
استمرارية الأعراض لمدة تزيد عن ساعة يوميا.
تسبب الأعراض خللا وظيفيا في الحياة اليومية.
لا تعود الأعراض لحالة طبية أخرى أو تعاطي مواد.
- التعايش مع الوسواس القهري: نصائح مهمة
لا تقاوم الوسواس بعنف، بل واجهه تدريجيا.
اعمل على فهم نمط وسواسك لتمييزه عن التفكير المنطقي.
التحق بمجموعات دعم أو برامج علاج جماعي.
احرص على النوم الجيد وتجنب الضغوط النفسية الحادة.
- مستقبل علاج الوسواس القهري
مع تطور العلوم العصبية والتكنولوجيا، تركز الأبحاث المستقبلية على:
تحليل الشبكات العصبية وتحديد البصمة العصبية الخاصة بكل نوع من الوسواس.
تطوير أدوية موجهة للمستقبلات الدقيقة التي تنظم الوساوس.
استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم دعم علاجي شخصي وفوري عبر تطبيقات ذكية.

المصدر:   Yajnoub