كيف تعرف الطيور المهاجرة وجهتها بدقة مذهلة؟ أسرار الملاحة في عالم الطيور
في كل عام، تهاجر مليارات الطيور من الولايات المتحدة وإليها، وتقطع آلاف الأميال حول العالم للوصول إلى وجهاتها الموسمية، بعض الأنواع، مثل خطاف البحر القطبي (Arctic tern)، تسافر مسافة تعادل الذهاب إلى القمر والعودة خلال حياتها.
لكن يبقى السؤال: كيف تعرف هذه الطيور أين تذهب دون أن تضل طريقها؟
الجواب يكمن في امتلاكها لمجموعة متطورة من الحواس والقدرات الفريدة، بعضها لا يزال غامضًا حتى على العلماء.
- الحواس الأساسية: البصر والشم
الطيور تعتمد في المقام الأول على حاستي البصر والشم لتحديد موقعها واتجاهها.
الطيور التي قامت بالهجرة من قبل، تعتمد على المعالم الطبيعية التي تتذكرها مثل الأنهار والسلاسل الجبلية.
أما الطيور التي تهاجر فوق المحيطات حيث تنعدم المعالم، فإنها تعتمد بدرجة أكبر على حاسة الشم.
دراسة على طائر "شيكور البحر" (Scopoli's shearwaters) أظهرت أن حجب فتحات الأنف لم يؤثر على طيرانها فوق اليابسة، لكنها فقدت الاتجاه عند الطيران فوق المياه، مما يدل على أهمية الشم في المناطق المفتوحة.
- البوصلة الشمسية والنجومية
تعتمد بعض الطيور على الشمس كمصدر توجيه نهاري من خلال ما يُعرف بـ "البوصلة الشمسية"، حيث تدمج موقع الشمس مع الساعة البيولوجية الداخلية لتحديد الاتجاه.
لكن بما أن معظم الطيور تهاجر ليلًا، فإنها تعتمد على النجوم لتحديد اتجاهها باستخدام ما يُعرف بـ "البوصلة النجمية"، وذلك من خلال حفظ موقع النجوم حول النجم القطبي (Polaris) في السماء، وهي نفس الطريقة التي استخدمها البشر منذ قرون للملاحة.
- الحس المغناطيسي: بوصلة من نوع آخر
عندما تُغلق السماء بالغيوم ويستحيل رؤية الشمس أو النجوم، تلجأ الطيور إلى حاسة أكثر غرابة تُعرف بـ الاستشعار المغناطيسي (Magnetoreception).
هذه الحاسة تسمح للطيور باستشعار المجال المغناطيسي للأرض، الناتج عن حركة المعادن المنصهرة في نواة الكوكب.
تشير الدراسات إلى أن تعطيل الحقول المغناطيسية المحيطة بالطيور، مثل الحمام الزاجل، يؤدي إلى فقدانها للقدرة على العودة إلى موطنها.
- ما سر الاستشعار المغناطيسي؟
العلماء لا يزالون يحاولون فك الشيفرة، لكن هناك فرضيتان رئيسيتان:
1. جزيء "كريبتوكروم" (Cryptochrome) الموجود في شبكية عين الطيور.
أظهر العلماء أن هذا الجزيء يستجيب للحقول المغناطيسية فقط في وجود الضوء الأزرق.
لكن لا يزال من غير الواضح كيف يمكن لهذا الجزيء أن يلتقط تغيرات طفيفة في المجال المغناطيسي.
2. مستقبلات تحتوي على معدن الماغنيتايت في منقار الطائر، والتي ترتبط بأعصاب تنقل المعلومات إلى الدماغ، ما يشير إلى وجود بوصلة مغناطيسية إضافية.
- الضوء المستقطب: وسيلة إضافية للتوجيه
الطيور قادرة أيضًا على رؤية الضوء المستقطب، وهو نوع من الضوء ينتشر في اتجاه واحد عند مروره عبر الغلاف الجوي.
هذه القدرة تساعدها على تحديد موقع الشمس حتى في الأجواء الغائمة، باستخدام خلايا خاصة في الشبكية.
- مزيج من الحواس: ذكاء ملاحي موروث
مثلما يستخدم الإنسان حاسة البصر في النهار ولمس الجدران في الظلام، تقوم الطيور بدمج إشارات متعددة بحسب الظروف البيئية.
بحسب العالمة مريم ليدفوغل من معهد أبحاث الطيور في ألمانيا، فإن الطيور تغير اعتمادها على الحواس بحسب المرحلة من رحلتها وظروف الطقس.
على سبيل المثال، الاستشعار المغناطيسي يتأثر بالعواصف الرعدية والنشاط الشمسي، مما يدفع الطيور إلى تفضيل حواس أخرى عند الضرورة.
- الهجرة سلوك موروث
إلى جانب جميع هذه الحواس، تلعب العوامل الوراثية دورا أساسيا في تحديد ميل الطيور للهجرة واتجاهها.
فهي ترث الميل والمسار من والديها، ويعمل العلماء حاليا على اكتشاف الجينات الدقيقة المسؤولة عن هذا السلوك.
- أهمية فهم آليات الملاحة لحماية الطيور
فهم آليات التنقل عند الطيور ليس مجرد فضول علمي، بل له أهمية بيئية كبيرة.
ففي برامج إعادة توطين الطيور المهددة أو نقلها لمناطق جديدة، غالبًا ما تفشل المحاولات لأن الطيور ببساطة تعود إلى موطنها الأصلي بفضل قدرتها الفائقة على الملاحة.
كما قال البروفيسور بيتر هور من جامعة أكسفورد:
"جهود الإنسان لإعادة توطين الطيور لم تنجح كثيرا، لأنها ببساطة تعرف طريق العودة بدقة مذهلة."
المصدر: Live Science
